(الشخص الصالح لا يحتاج القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسؤولية، أما الشخص الفاسد فسيجد دائماً طريقة ما للالتفاف على القوانين – أفلاطون).
المسؤولية الاجتماعية – هذا الاسم الرنان- الذي ظهر وعلا بريقه في منتصف القرن المنصرم، وانبهرنا به لأنه جاءنا مستورداً من الغرب، هو في الأصل مفهوم إسلامي نشأ في كنف الدولة الإسلامية، ولكن إعجابنا بكل ما هو آت من بلاد العم سام يجعلنا نندهش في غير مقام الاندهاش وننبهر بغير ما يستحق الانبهار.
نظرية المسؤولية الاجتماعية التي راجت ما بعد الحرب العالمية الثانية، تطورت بشكل مع حلول عام 1947م، نشأت في بيئة غير مستقرة أمنياً ولا سياسياً وتمور بالحروب والصراعات والقتل ورائحة الموت والأشلاء، وترى أن بقاء المؤسسة واستمرارها مرهون بوفائها بالواجبات المنوطة بها تجاه المجتمع وتقديم خدمات إضافية نظير ما تحصل عليه من فوائد من هذا المجتمع.
المسؤولية الاجتماعية التي قدّمتها لنا الرأسمالية الغربية كنتاج لتطور الرجل الأبيض وإنسانيته، ما هي إلا حيلة من الشركات وقطاع الأعمال لرسم صورة ذهنية إيجابية عنه، وتعزيز ولاء العملاء، والمساهمة في تسويق المنتجات تحت مظلة الأنسنة التي لم تمت للإنسانية بصلة وإن ادعوها.
أما المسؤولية في الإسلام، فيجسدها الحديث النبوي الشريف (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...إلخ)، وقد عظَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وجعلها تتفاوت في درجاتها الهرمية بين الحاكم أو الوالي والرجل في بيته والزوجة في مال زوجها وتتنزَّل المسؤوليات حتى العبد هو مسؤول وراعٍ في مال سيده، فيا لها من مسؤولية عظيمة، ويا له من تقسيم جليل.
وبنظرة فاحصة للحديث النبوي الشريف نجد أنه ما من إنسان إلا قد وُكِل إليه أمر يدبّره ويرعاه، فكلنا راعٍ، وكلنا مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه، ومسئول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيماً، وثوابه جزيلاً، وحسابه عند الله يسيراً، وإن قصّر في الرّعاية، وخان الأمانة، أضرّ بالأمة، وعسّر على نفسه الحساب، وأوجب لها المقت والعذاب، وهو الخسران المبين.
وتتجسّد المسئولية في كل لحظة من لحظات حياتنا، وتتنوّع إلى مسؤولية يتحملها الفرد عن نفسه، ومسؤولية يتحمّلها عن مجتمعه ووطنه وأمّته من حوله، وما الأخيرة تجاه الآخرين والوطن إلا وهي قمّة مفهوم المسؤولية، وهي التطبيق العملي لقيمة هذا المفهوم.
المفهوم الغربي للمسؤولية الاجتماعية يرتكز على أربعة أبعاد اقتصادية، أخلاقية، القانونية، وخيرية، وبنظرة متأنية لهذه الأبعاد الأربعة تجد أنها من قيمنا ومن عاداتنا الإسلامية، بل هي داعمة لمقاصد الشريعة الإسلامية.
التطبيق العملي للمسؤولية الاجتماعية في حياتنا اليومية -وإن صاحبه قصور- لكنه يبقى هو الأصل الذي يجب أن يسود، والحق الذي يجب أن يُتّبَع من أجل تحقيق خيْرَيْ الدنيا والآخرة، وهو منهج السابقين من أخيار هذه الأمة العظيمة التي جُعلت خير أمةٍ أُخْرجت للناس لقيامها بذلك الفعل الإنساني النبيل بُغية الثواب، وتكافلاً بين أفراد المجتمع المسلم الذي يُعد كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى.
المسؤولية الاجتماعية في الإسلام، يدل اسمها على قيمتها ومضمونها وأهدافها، ويكفي أن تُسمّى بهذا الاسم، وهذا يكفي ولا يحتاج لشروح أو توضيحات، وكفى به إبانة وتعظيم.
على ضوء ما قيل، يجب التأكيد على أن المجتمع الذي تسوده روح التكافل والتراحم، وتظلله المحبة والإخاء، هو الجدير بالبقاء والنهضة ومكارم الأخلاق، ولن تكون هنالك محبة ولن يزدهر إخاء ما لم يُسابق في الخيرات وينفق مما يُحب (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
المسؤولية الاجتماعية، يجب النظر إليها باعتبارها أمانة تقع على عاتق قطاع الأعمال، وباهتمامه بها، يكون قد أسهم في تنمية الأفراد والمجتمع والوطن بأكمله، وفي تأديتها كما يجب، مقياس للوطنية قبل أن يكون مقياساً للتديُّن وسمو الأخلاق.
*في اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية 20 مارس، ومع يوم المسؤولية الاجتماعية بالمملكة 23 مارس، دعونا نرفع شعار #نلتزم_بمسؤوليتنا_الاجتماعية، ولنرفع القبعات تحية وإجلالاً لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي تعمل جاهدة لترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية وجعله واقعاً مُعاشاً في حياة الناس.
ختاماً...
(الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم على تحمل المسؤولية -مايكل كوردا).
بقلم | أنيسة العمودي
المسؤولية الاجتماعية
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/251777/