ورد في صحيح مسلم: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ".
وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما النساءُ شقائق الرجال" (رواه أبو داود)، ومعنى "شقائق الرجال" كما قال ابن منظور والمناوي أنهن نظائر الرجال وأمثالهن في الأخلاق والطباع والأحكام. وقال الطيبي: "أي نظائرهم في الخَلق والطباع، كأنهن شققن منهم".
إذاً.. ديننا الحنيف ورسولنا الكريم وضع المرأة في مكانة سامية مثلها مثل الرجل، اللهم إلا في الأمور التي تستوجب مراعاة طبيعة كلٍ منهما، كأن لا تستطيع المرأة أن تصلي وأن تصوم وهي حائض.. وهكذا.
فما مناسبة ذلك الكلام؟.. إنها تلك الدعوات التي تتزايد في عالمنا العربي والإسلامي بين الحين والآخر الداعية إلى "تغريب المرأة" (نسبةً إلى دول الغرب) تارةً تحت مسمى "تحرير المرأة"، وتارةً تحت مسمى "حقوق المرأة"، وتارةً أخرى تحت مسمى "إصلاح الأسرة"، أو غيرها من التعبيرات المتلونة التي تعكس عدم فهم الدين الإسلامي الحنيف الذي نظم حقوق المرأة.
وهنا يثار السؤال المهم: هل الغرب قدم للمرأة أفضل مما قدمه لها الإسلام؟.. والإجابة على هذا السؤال تكون بالنظر إلى بعض الأصول التشريعية للمرأة الغربية، فإننا سنجد - باختصار غير مخل- ما يلي:
* أولاً: الرجل في منطق الحضارة الغربية المعاصرة لم يعد مسؤولاً عن إعالة زوجته، والتي وجدت نفسها ملزمة بمقاسمته المسؤولية تجاه المتطلبات المالية والمادية في "مؤسسة الأسرة"، بل إنه لم يعد ملزمًا حتى بالإنفاق على ابنته بعد بلوغها الثمانية عشر عاماً، ومن ثم على المرأة أن تشق طريقها في الحياة ولتفعل ما يحلو لها حتى تعيش، حتى وإن كان الانحراف الأخلاقي هو الحل!، وقد ترتب على ذلك الكثير من الأثار والتي منها انتشار الإباحية، وغيرها.. والغريب أن المرأة الغربية لا تتمتع حتى بحقها في الاحتفاظ باسمها المولودة به؛ بل تنتسب - في حالة الزواج- لزوجها!. معنى ذلك أن احترام الكيان الشخصي والإنساني للمرأة - وهو من أبسط الحقوق- ليس موجوداً.
* ثانياً: من الناحية الاقتصادية والعملية، فإن المرأة الغربية عبارة عن آلة تعمل طول الوقت لتوفير نفقات المعيشة، سواءً أكانت متزوجة أو غير متزوجة، فهي تأخذ أجراً أقل من الرجل (بنسبة 8% بالولايات المتحدة، و22% في أوروبا)، وما يتبقى من راتبها تنفقه على مستلزمات زينتها حتى تحافظ على وظيفتها خارج المنزل، ولا ننسى أعباءها المنزلية إذا كان لديها أولاد فهي ملزمة برعايتهم، ولا سيما وأن الرجل الغربي لا يقيم وزناً - في الغالب- لمسؤولياته الأسرية، وكثير منهم يتركون المرأة وأولادها لمصيرهم!.
* ثالثاً: افتقاد المرأة لـ "الأمان الاجتماعي" نتيجة افتقاد من يكفلها أبًا كان أو أخًا حين تبلغ الثامنة عشر من العمر، ومن ثم يكون البحث عن مصدر أمان يكفلها، فتبدأ رحلة البحث عن زوج أو "صديق" - بمفهومهم الغربي-، وما ينطوي عليه ذلك من سوء اختيار - في الغالب- نظرًا لحالة الاحتياج الضاغطة على المرأة، ومن ثم ينتج مجتمع مشوه لا اعتبار كبير فيه لمفهوم الأسرة، ومؤسسة الزواج التي تُبنى على المودة والرحمة.
هذه النظرة اللاإنسانية للمرأة في المجتمع الغربي دفعت الكثير من الغربيين إلى التعرف على الإسلام عن قرب، والذي تجد فيه المرأة إنسانيتها وكامل حقوقها، ومن ثم اعتنق الكثير من الغربيين - رجالاً ونساءً- الدين الإسلامي، حتى لا يكاد يمر يوم من الأيام إلا وقد دخل مسلمون جدد في الإسلام، فقد ورد بموقع "الجزيرة نت" (7/11/2020م) أنه وفقاً لاستطلاعات مركز "بيو للأبحاث"
(Pew research)
، فإن الإسلام من أكثر الديانات المتنامية في الولايات المتحدة، حيث وصل عدد الأميركيين المعتنقين للإسلام نحو 100 ألف شخص سنوياًـ، ووفق دراسة لجامعة "لينشبرغ"
(Lynchburg)
في ولاية فرجينيا الأميركية، فإن نسبة الأميركيات اللاتي اعتنقن الإسلام مقارنة بالذكور هي (أربعة إلى واحد). وفي بريطانيا أيضاً يزداد عدد معتنقي الإسلام سنويا إلى أكثر من 5 آلاف بريطاني، 75% منهم من النساء وفقا لصحيفة "إندبندنت" البريطانية.
ومن أبرزالنماذج النسائية التي دخلت في الإسلام مقدمة البرامج التلفزيونية البريطانية "كريستيان باكر" (عام 1995م)، والتي قالت: إن احترام المرأة هو ما وجدته في العقيدة الإسلامية، وكان دافعها للقراءة والبحث حتى الإيمان الكامل، ومواجهة الشهرة والأضواء، مؤكدةً أن إرضاء الله بات محور حياتها، وأنها وجدت الإسلام يُعلي من قيمة المرأة وكرامتها، وأن وضع الأم في الإسلام لم تره في أي عقيدة أو ثقافة أخرى.
وأخيراً.. فإنه على النقيض مما أوردناه عن المرأة في الغرب، نجد أن المرأة في ظل الإسلام الحنيف معززةً مكرمة، فهي محتفظة بكيانها الشخصي وانتمائها لعائلتها (بنت أبوها)، وحقوقها في الإرث محفوظة، ولها كامل الحرية في التصرف فيه. كما أنها تنشأ في كنف أب وأم يرعياها بعيداً عن حكاية استقلالها في عمر الثمانية عشر عاماً المنتشرة في الغرب، فالمرأة في ظل ديننا الحنيف مسؤولة من أبيها حتى تذهب إلى بيت زوجها ليتحمل مسؤوليتها، وإن توفي الأب كان الجد - إن كان على قيد الحياة- أو العم أو الأخ هو السند، أما إن توفي الزوج فإن الإبن هو السند.. وهكذا. والأمر لا يرتبط هاهنا بكونها امرأة تعمل وتكسب المال، فمالها لها ويخصها وتتصرف فيه بكامل حريتها، فالحمد لله على نعمة الإسلام.
مما يعني أن المرأة الغربية لو تفهمت ما وهبه الله للمرأة المسلمة من حقوق
وسعادة في الدارين لتمنت أن تحظى بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية