في ظل موجة الحديث عن نظام الحكم الديمقراطي ( المشاركة المؤسسية والشعبية في صناعة القرار )، يخفى على الكثيرين أن النموذج الأصل والتاريخي للحكم قبل الإسلام وبعده هو نظام الحكم الملكي ( المركزية والفردية في صناعة القرار )، وقد تجسد ذلك النظام في الأنبياء والرسل ثم الملكيات من بعدهم كما جاء في قوله تعالى في سورة النمل ( إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم )، ورغم أن ملكة سبأ ( بلقيس ) استشارت قومها إلا أنهم في نهاية الأمر أقروا لها بأحادية صناعة القرار وقبولهم ورضاهم بنتيجته في صريح جوابهم ( والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين )، وكذلك في إذن المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لمستضعفي مكة بالهجرة إلى بلاد الحبشة ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد )، بل وحتى على مستوى الدواب فالأكثر تنظيما وإنتاجا ( النحل والنمل ) يتجسدان كنظام في شكل ملكية فردية وقيادة أحادية وقلّما تجدهم فرادى.
( ديمقراطية تعدد الملكيات )
ليس تقليلا من شأن نظام الحكم الديمقراطي، وليس مجاملة لنظام الحكم الملكي، ولكن إيمانا بأن نظام الحكم الديمقراطي ليس بالضرورة ولا على الدوام الخيار الأمثل والأفضل كما يصوره البعض ويروج له البعض الآخر، فالكثير من أمثلته المعاصرة ديمقراطية في ظاهرها، وملكيات حزبية وطائفية في مضمونها وممارستها بمعنى ( مرحلة تطور من الملكية الفردية إلى الملكية الجماعية الحزبية والطائفية ) والشرح في ذلك يطول، فعلى سبيل المثال والتشبيه، لا تكاد تخرج الديمقراطية المعاصرة عن ثلاثة أشكال :-
١- ديمقراطية ( زيد وعبيد ) هذا النوع تسيطر فيه أقلية اجتماعية ( أسر أو عائلات أو قبائل ) يتفانى أفرادها في دعم بعضهم وحشد القريبين المنتفعين منهم للوصول إلى كرسي الرئاسة والمجالس النيابية أو البرلمانية لصناعة القرارات التي تعزز مكانتهم وتحكم سيطرتهم واستغلالهم لمختلف فئات المجتمع وتبسط نفوذهم وتضمن بقاءهم أطول فترة ممكنة داخل دهاليز الحكم، وكثيرا ما تدور سياستهم ومشاريعهم حول الأصل والفصل وصناعة وضع خاص ومتميز لفئات محددة من المجتمع، فما أن ينزل من الكرسي زيد إلا ويصعد عبيد، وهذا الشكل أقل ما يوصف به ( عنصري إقصائي ).
٢- ديمقراطية ( ملي جيبك ) هذا النوع على مستوى عالٍ من الدهاء والذكاء وتسيطر فيه أقلية اقتصادية ( شركات ومؤسسات وتنظيمات ) على صناعة القرار بطريقة احترافية غير مباشرة، وذلك من خلال التفاني في تقديم الدعم المالي واللوجستي اللامحدود في سبيل الدفع بمرشح رئاسي وعضو نيابي أو برلماني قريب منهم ليضمن لهم صياغة وصناعة القرارات التي تنمي ثرواتهم وتحكم سيطرتهم على الاقتصاد، وكثيرا ما تدور سياستهم ومشاريعهم حول تخفيض التكاليف وتعزيز الاحتكار والاستغلال الأقصى لموارد الدولة، وهذا الشكل أقل ما يوصف به ( استغلالي نفعي ).
٣- ديمقراطية ( المسيح المخلص ) هذا النوع رغم غرابته لفظيا إلا أنه حاضر بشدة واقعيا، وربما يُعدّ هو الأخطر والأشد نكاية لثلاثة أسباب :-
الأول، تخفيه في شكل تجمعات غير رسمية أنشطتها غير محددة.
الثاني، طبيعته العابرة للدول والقارات بأقل مجهود وأبسط صورة عن طريق الولاء علانية أو خفية.
الثالث، تغلغله في الأقليتين ( الاجتماعية والاقتصادية ) واستغلاله للغالبية الشعبية دون ملاحظة لحقيقة أهدافه، ودائما ما تدور سياستهم ومشاريعهم وفلسفتهم حول تعزيز تواجدهم وتمركزهم في جميع مفاصل الحياة إما بزعم القدسية أو ادعاء المظلومية لنشر وتمرير طقوسهم ومنهجهم وحشد أتباعهم تمهيدا لخروج مسيحهم.
( الظروف غير المحسوبة، والنتائج غير المتوقعة، والآثار المفاجئة )
فمن ناحية، ليس بالضرورة أن تأتي استفتاءات الرأي الدستورية في المسائل المصيرية، أو الترشيحات الرئاسية والبرلمانية أو النيابية، بالنتائج الحالمة والأشخاص الفاعلة، لاسيما إذا تنامت وانتعشت العقائد الفاسدة والأخلاق المنحلة، فبالديمقراطية، يوما ما، مُنع رفع الأذان وقُيِّد لبس الحجاب في الشرق، وبالديمقراطية اليوم يقر وينظم الشذوذ والإجهاض في الغرب والأمثلة تطول، كما لا تكاد تخلو عملية استفتاء أو ترشيح من شراء معجل للأصوات أو وعد مؤجل بالحفلات ، بل أصبح عمل جماعات ولوبيات الضغط والتأثير على رئيس الحكومة والأعضاء منظما وممنهجا تحت غطاء الجمعيات المحلية والمنظمات الدولية.
ومن ناحية، ليس التنقل بين أشكال الممارسات السياسية في الدولة منهجا دراسيا قد يخضع للتجربة في الفصل الأول وتعالج سلبياته في الفصل التالي، فقد يؤدي الانتقال من شكل لآخر إلى التصلب والتوحل في منتصف المرحلة الانتقالية فينتهي الأمر باللا دولة ولا أرض ولا شعب.
( العدل والنماء )
الشعب الكويتي لا يختلف عن بقية شعوب العالم، نسبة المهتمين والمنخرطين الفاعلين في العملية السياسية قد لا تتجاوز ٢٥% أما البقية الشعبية فهي كغيرها تتطلع إلى تحقيق العدل والنماء كغاية بغض النظر عن نظام الحكم كوسيلة.
( الحكم )
بعيدا عن تعقيدات وتفصيلات وتشعبات أنظمة الحكم المختلفة، تبقى القيادة العادلة الراشدة، والنواب المخلصين المختصين، والأفراد المؤهلين الفاعلين، جوهر إدارة دفة الحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مستشار قانوني