من عجيب ما عشته أنِّي سمعت من إحدى القريبات تقول: سأتزوج –بحول الله- من أفضل الرجال، وسيكون مستقبلي مشرقًا، وسيكون بيتي في المستقبل –بمشيئة الله- من أنجح البيوت! تقول هذا وهي ذاتُ الأربعة عَشَر ربيعًا، وفي زمنٍ متقارب من هذا الموقف إذ بقريبة أخرى في الخمسين من عمرها توصي ابنتها: اجتهدي في دراستك واحصلي على أعلى الشهادات؛ حتى لا تضطري يومًا للبقاء مع زوجٍ لئيم أو رجل لا يُقدِّرُكِ!.. اجتهدي وكوني مستقلَّة لا يضرُّها طلاق!
ولا أُخفيكم سرًا فإني والله تجاهلت ما سمعت منهما، ولم أجد حينها ما يدعو للاستنكار! كانت الصورة في ذهني وقتئذٍ: فتاة مراهقة تحلم أحلامًا ورديَّة وتتفاءل بمستقبلها، وأمٌّ حريصة تغرس في وجدان ابنتها حُبَّ الدراسة والتعلُّم! ولم يكن الأمر كذلك!
مرت الأيام سِراعًا وكدت أنسى ما سمعت، وإذ بي في جلسة سَمَر مع والدتي –حفظها الله- تقصُّ عليَّ من قصص الأقارب والقريبات، وتتحدث عن مسيرة الناجحين، ومواقف من حياة الكادحين.. ليصل الحديث عن أبناء مميزين، وزوج خلوق طيب، جاء التعريف به وذكرت أنه زوج فلانة.. توقفتُ للحظات ورحت أتذكر عبارتها وكأنها للتو صادفت مسمعي: سأتزوَّج من أفضل الرجال.. سيكون مستقبلي مشرقًا! وأضفت لذلك تذكُّر تلك الأم وابنتها التي كانت توصيها بالدراسة حتى لا يقسو عليها الزَّمن بعد طلاقها.. فإذ بخبرها أنها مطلَّقة منذ سنوات، وتعيش مع طفلتها في بيت مستقل ينفق عليها أخوها!
يا الله.. أهكذا كانت كل واحدة ترسم مستقبلها بما تتفوَّه به؟! تذكرت حينها قول المولى –عزَّ شأنه-: "فَما ظَنُّكُم بربِّ العالمين"، إنه الظن بالله يا سادة! ثم ما ينتج عنه من تفوُّهٍ بخيرٍ أو شر، قد يُصادف إجابةً فتسعد أو تشقى! فلا تتعجل البلاء بمَنطِقِك، ولا تترقَّب السُّوء وتنتظر وقوعه، واجعل روحك تتسامى تفاؤلًا، وعملك يسعى لتصديقِ ذلك بمواظبة الاجتهاد، وإدمان الصَّبر، وصدق مَن قال:
احفظ لسانَك أن تقُولَ فتُبتَلَى ... إنَّ البــــــــــلاءَ مُوكَّـــــــلٌ بالمنطِقِ
حين ترى الزواجَ فرصةٌ لنجاحٍ كبير، وشراكة عمر تحفُّها المودَّة والرحمة؛ فستكون نفسك طيبةً بما يأتي، راضية بما يُقدَّر، تنتظر مع كل صباح سرور جديد، ونجاح أكيد، وحين ترى أن الدنيا قد اسودَّت، والناس قد تردَّت، ولم يعد في الزواج إلا النَّكد والمسؤوليات.. فغالبًا ستجعل من كل عقبة يسيرة تحدٍ كبير قد يعيقك عن إتمام تلك الحياة مع ذلك الشريك!
وأختم بهذا المشهد مع المصطفى -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حين دَخَلَ علَى أعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ له: "لا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، قَالَ: قُلتَ: طَهُورٌ؟ كَلَّا، بَلْ هي حُمَّى تَفُورُ -أوْ تَثُورُ- علَى شَيخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ، فَقَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "فَنَعَمْ إذنْ". فما لبث الأعرابي أن مات كما ظنَّ هو بربِّه!.
فثقوا بربكم الرَّحيم الرحمن.. وأحسنوا الظَّن بمن تحبُّون.. وكونوا على ثقةٍ بأن مستقبلكم إلى خير، وحياتكم إلى نجاح..
ألا إنَّما بِشْرُ الحياةِ تفاؤلٌ ... تَفَاءَل تعِشْ في زُمرَةِ السُّعَداءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث، وناشط اجتماعي