من أظهر صفات الأبالسة ومَن يقتدي بهم الحزنُ على الماضي وتحزين الآخرين عليه، ويتطور الأمر ليصبح لومًا للذَّات وجَلدًا لها على تصرفٍ مضى ولا يمكن أن نُعيده! يظلُّ هكذا حتى يصل به الأمر للوقوع ضحية السلبيَّة المقيتة فيظل يقول: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا! وكأنه كان يعلم يقينًا ما يترتب على أفعاله وفق نظرته القاصرة!
إن من الطَّبعي في حياتنا أن لكل جديد لذته، ومع الوقت تقل في نفوسنا قيمته، وتتضاءل زهوته، لكن ذلك لا يُعد سببًا كافيًا للحكم على الجميل بالقبح! فهل يعقل بعد سنوات من العشرة الطيبة بين الزوجين أن يتلفظ أحدهما –بسبب خلاف أو مشكلة- قائلاً: ليتني لم أتزوجك! إنها عبارةٌ تهدمُ الحُبّ من أساسه!
إنها تعني أنَّني الآن أتمنى فراقك!
وجودُكَ في حياتي غير مريحٍ وغير مرحَّب به!
كنتُ مخطئًا يومَ أن وَثقتُ فيك وقرَّرنا الزَّواج!
أرأيتم مشاعرًا كهذه كيف يمكن أن تُمحى بعد أن خَرَجت في ظرفٍ تأكَّد الطَّرفُ الآخر أنها عبارة صادقة؟
قَد قِيلَ ما قيلَ، إن صِدقًا وإن كذبًا ... فما اعتذارُك من قولٍ إذا قيلا؟
وأعود إلى قائل العبارة –وأظنُّه هو الجاني على شريك حياته- فأقول له: إنَّ ما دعاكَ للتلفُّظ بذلك هي (الأنانيَّة) التي جعلتك ترى نفسك محور العلاقة الزوجيَّة التي ينبغي أن يقدم الطَّرف الآخر كل التَّضحيات لإرضائك وإسعادك دون مسؤولية منك أو تنازل! فهو لؤم لا يقوم معه البيت الزَّوجي، وهو نكران للجميل، وكفران للنعم يوجب زوال النِّعمة..
إنَّ كثيرًا من المتزوجين لا يقدِّرون قيمة ما لديهم من نِعم، فيظل يركز على العيوب فتكبر مع الزمن، ويتناسى النِّعم والفضائل وجميل الفِعَال من شريك حياته فيراه بسوداويّة قاتمة تُحيلُ جميل الفِعَال إلى تقصير! فيظل في حالة من السلبيَّة حتى يفترقا، وحينها يدرك مقولة من قال: كم من يومٍ بكيت فيه فلما صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليه! وتتمثَّل حينها ما قال الفرزدق حين طلَّة زوجته نوار:
نَدِمتُ نَدامَـةَ الكُسَعِيِّ لَمّا ... غَـدَت مِنّي مُطَلَّقَةٌ نَـــوارُ
وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها ...كَآدَمَ حينَ لَجَّ بِها الضِرارُ
وكأنِّي بك تهمس في نفسك أنَّ ما تقوله صدقًا وواقعًا: ليتك لم تتزوج! فأقول لك: لو كنت صادقًا وكانت حياتكما تعيسة، ورأيت الحلّ في الفراق، فإنه ليس من حقِّك أن تتعدى على الطرف الآخر، إنما هو إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان، فإن كنت لم تقرر بعدُ أن تنهي علاقتكما فإن استمرار العلاقة مع تلك السموم الكلاميَّة التي تتلفَّظ بها لهو –وربِّي- أسوأ حالاً، وأقبح مآلاً، فإما أن تبقى رجلاً نبيلاً يُحسن العشرة، وتبقى كذلك الزَّوجة صالحةً لا تتلفظ بمثل تلك الألفاظ، أو لتفترقا ويُغنِ اللهُ كُلاً من سَعَتِه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث، وناشط اجتماعي