كنت في محل بهارات في المنصورة اشتري مقتضيات أسرتي بمعية ولدي محمد عصام .
ثلاث فتيات تسيرن أمامي، بمنتهى الأدب في أحد الشوارع التجارية .
يوجد على ناصية الشارع مجموعة شباب يصدرون أصواتا عالية وضحكات سخرية وحركات
مستفزة ، على الناصية الثانية كلب ضخم جدا جدا من سلالة خارجية داخل سيارة يظهر رأسه على شباك السيارة .
اقتربت الفتيات من الشباب
ازدادت أصوات الشباب
بشكل مقرف (واضح انها معاكسة للفتيات) غيرت الفتيات اتجاههن للناصية الثانية اتجاه الكلب الضخم _الكلب المحترم_
واضح أن الفتيات أعطن الأمان والثقة للكلب ولم يعطين الشباب الأمان والثقة ، الموقف مؤلم فالثقة كانت للحيوان .
المؤسف أن الناس كانت متقبلة الموقف تجنبا للمشاكل.
سألت ولدي هل تعرف الأولاد ؟
قال :نعم ،قلت: تعال معي.
فكرت في بالي أنني كنت مديرا للمديرية (مأمور) وأنني أصلا ابن المديرية ومعروف ، مؤكد أنني أعرف الشباب أو أعرف أهاليهم
اقتربت منهم وانا في طريقي اليهم
حصل أمر لم استوعبه هرب الشباب بشكل سريع وسقط من سقط وتكعبل وكان الهروب إلى داخل الشارع (الزغط)
استغربت!! أيش الذي يحصل !! اقتربت شاهدت التربوية المعروفة مديرة مدرسة الأولاد في المنصورة المشهورة بجديتها وشدتها رحبت بي
أهلا دكتورعصام
أهلا أستاذة
انا مستغرب ليش هربوا هكذا ؟
قالت: دول أولادنا من حوارينا أعرفهم اعرف اسرهم أغلبهم طلابي في الثانوية حين أشاهد أي حركات أومعاكسات أو سخافات أطلع تلفوني واهدد بالتصوير ومجرد ما أطلع التلفون يحصل ماشاهدته الهروب الكبير
لأني سأحاسبهم لو لايزالون عندي في المدرسة، أو سأرسل صورهم لأهاليهم وهم ايضا،يخافون من وسائل التواصل الاجتماعي من فضحهم أو التشهير بهم .
كنا نتحدث ولايزال الشباب فص ملح،
ودعتها وأنا أضحك مما حصل.
تذكرت أننا قبل مدة قرأت عن عقوبة التجريس وهي من العقوبات العرفية كان يستخدمها الفاطميون في مصر للمتحرشين بالفتيات وللشباب المفطرين في شهر رمضان ، ومخالفي الشريعة الاسلامية والتجار المتلاعبين بالأسعار، وأي ظواهر تسيء للمجتمع في ذلك الوقت ، فكانوا يأتون بحمار قوي جدع ، ويجلسون المعاقب على الحمار بشكل معاكس
وجهه لخلفية الحمار وظهره لمقدمة الحمار ويضعون أجراسا على الحمار، ويجمعون اطفالا ويطوفون بالمعاقب في الشوارع مع أصوات الأطفال للتشهير به ليكون عبرة للناس لذلك قالوا فضيحة بجلاجل، أي فضيحة بأجراس، .
فكرت لو طبقت هذه العقوبة في زمننا الحالي سنحتاج لاستيراد حمير من الخارج لكثرة مخالفاتنا .
عموما كان الغرض من التجريس (التشهير والنشر والفضيحةللتأديب ).
وما عملته الاستاذة المربية القديرة هو تهديد بالفضيحة والنشر ، ورسالة
لأي فتاة تتعرض للتحرش ما عليها الا أن تطلع تلفونها وتلتقط كم صورة للمتحرش وتهدده بالابلاغ
أو بالنشر والتشهير والفضيحة، ولا محتاجين حمير ولا أجراس ولاشوية أطفال ولف في الشوارع .
من كم يوم سمعت عن الولد الواطي النذل صاحب الهكر الذي دخل على صور البنات وقام بنشر صورهن في السوشال ميديا وأنا بجد على يقين من أنه سيتم الوصول اليه عبر الأمن وسيتم فضحه والتشهير به ومحاسبته (تجريسه) .
في أيام دراستي الثانوية انتقلت من ثانوية عبود الى ثانوية عثمان عبده زمن التعليم الجاد والاحترام والتقدير، كنت هادئا جدا لي اهتماماتي المحددة كرة القدم والتعليم فقط
وفي يوم دراسي
اقنعوني زملائي التزويغ من حصة مادة الفلسفة لا أعلم كيف اقتنعت
بفكرتهم ! وفعلا عملتها معهم، أتذكر حينها جلسنا
خلف الفصول وكانت أول مرة أعملها كنت خائفا فجأة ظهر أحد الطلاب مرعوبا يقول :ياعيال اهربوا المديرة قادمة هي والنائب
كانت مديرة المدرسة
حينها الاستاذة القديرة المربية الرائعة الأستاذة
خديجة قاسم أطال الله في عمرها والدة زميلتي دكتورة القانون دكتورة روزا ووالدة الدكتور مهند
وكان نائبها السياسي الأستاذ الجليل المربي الجاد الأستاذ جلال محجوب أبو رامي اطال الله في عمره.
الكل هرب وجرى باتجاه السور كلهم أصحاب خبرة وثقافة ذاكرة يعرفون أين يجرون وكيف يطلعون السور أين يضعون أيديهم أين يحطون أقدامهم وهوب لخارج السور
خبرة وتمرس وممارسة ورشاقة.
أنا الوحيد وقعت جريت معهم خوفا ورهبة لكني افتقد الخبرة لا أعلم إلى أين أجري وأيضا لم أستطع تسلق السور مع أني كنت رياضيا لاعبا في المنتخب المدرسي لكنها الخبرة المفقودة ياسادة ،المهم أننا ودفت وحنبت
شاهدتنا المديرة ونائبها
روحت الى البيت خائفا مرعوبا منتظر اتصال
المديرة لوالدي التربوي المعروف -رحمة الله عليه- كانت كل رنة تلفون أرضي للبيت أشعر بكهرباء
في جسمي !!!!!
في اليوم الثاني وفي الطابور الصباحي تم تجريسي وفضحي لم يذكروا أحدا من الطلاب، الهاربين لأنهم لم يعرفونهم
قالت المديرة الاستاذة والمربية القديرة في الطابور الصباحي وحتى أنت ياعصام لم أكن اتوقع منك ياعصام، كانت هذه عقوبتها التربوية فقط
والله إلى الآن اتذكرها وأشعر بالرهبة
الله يرحم كل مدرسينا ومدرساتنا ،ويغفر لهم أحياءا كانوا أم أمواتا ، ويعين كل المدرسين والمدرسات الحاليين فعلا أنها كانت ولاتزال وستبقى
التربية والتعليم أشرف وأنبل مهنة بحق وحقيق لكم محبتنا وتقديرنا الى يوم الدين