في عالم العمل والتعاون، تتجلى القيم النبيلة التي تحث على الشكر والامتنان كركائز أساسية في بناء علاقات متينة وإيجابية بين الأفراد. إلا أن هذه القيم يمكن أن تنقلب ضد أهدافها النبيلة عندما تُستغل كوسيلة للمنّة والافتخار بأعمال لم تُنجز حقاً أو لم يكن الفاعل هو الشخص الذي يروج لنفسه.
إن البعض ممن يتقلدون المناصب القيادية أو الذين يُكلّفون بمسؤوليات كبرى، يسعون في بعض الأحيان لتضخيم دورهم وإظهار أنفسهم على أنهم المحركون الأساسيون لكل إنجاز، حتى وإن لم يكونوا قد بذلوا الجهد الكافي لتحقيق تلك النتائج. فتراهم يسارعون إلى تقديم الشكر والامتنان للآخرين بشكل مبالغ فيه، ولكن في الوقت ذاته يحرصون على تذكير الجميع بأن الفضل يعود إليهم في المقام الأول.
هذه الممارسات ليست مجرد محاولات لكسب الثناء، بل هي نوع من إظهار السلطة والسيطرة بطريقة غير مباشرة. فعندما يُطلب منك الشكر على ما لم تقم به، يُترجم ذلك إلى سلوك يقلل من قيمة العمل الجماعي والجهود المبذولة من قبل الفريق ككل. والأسوأ من ذلك، أنه يخلق بيئة عمل سلبية، حيث يشعر الأفراد بعدم الإنصاف والتقدير الحقيقي لجهودهم.
الإشكالية هنا لا تقتصر فقط على مسألة المصداقية، بل تتعدى ذلك لتؤثر على جودة العمل وروح الفريق. فالعاملون في بيئة يسودها التفاخر بإنجازات غير حقيقية غالباً ما يشعرون بالإحباط وانعدام الحافز للعمل الجاد. كما أن هذه الظاهرة قد تؤدي إلى خلق جو من التنافسية السلبية حيث يسعى كل فرد لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين.
في المقابل، ينبغي على المؤسسات أن تعزز من ثقافة الشفافية والاعتراف بالجهود الفعلية لكل فرد، دون اللجوء إلى التفاخر أو المنّة. الشكر الحقيقي ينبع من القلب ويُقدم لمن يستحقه بصدق ووضوح، دون محاولات لتحويله إلى أداة للسيطرة أو التلاعب بالآخرين.
يجب أن نتذكر دائماً أن الشكر هو قيمة أخلاقية تعكس التقدير والاحترام للعمل والجهد. وعندما يتم استخدامه بشكل صحيح، فإنه يعزز من الروح الجماعية ويحفز الجميع على تقديم الأفضل. أما عندما يتحول إلى وسيلة للمنّة والتفاخر، فإنه يهدد بتقويض الأسس التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية والعمل المشترك.