تتردد هذه الجملة في الآذان كثيرًا، وقد يغيب عن البعض معناها ومقصدها. إن شعب الله المختار هم عباد الله عز وجل المخلصون له عبادةً وتعبداً، وهم من اختارهم بتوفيقه لعبادته، وهم مثال حسن الخصال والأخلاق الحميدة من حسن الجوار في البلاد وللعباد، داعمين لدين الله عز وجل وشريعته المحددة تعبداً ونصرةً، ومقدسين لبيوته، حافظين لكرامة خلقه، آمنين لمن طلب الحماية.
منذ الأزل، يتغنى اليهود بأنهم "شعب الله المختار". يعتقدون أنهم المفضلون للأبد لدى الله، لما لهم من فضل عنده، حيث إنهم أول من أُرسل فيهم كتابة التوراة فحرفوها، وأكثر شعوب الأرض التي بُعث فيها أنبياء ورسل، ولأن أولى الشرائع والعهود كانت لهم ونزلت عليهم. لكن لا يخفى على ذي لب فطين أن كثرة التعقيب على أمر أو مجموعة ليس لحسن التزامهم ولا لصلاح أعمالهم، بل لكثرة أخطائهم وحيادهم عن الطريق السليم المعد لهم.
فكثرة التعقيب بالتوجيه والإرشاد للعودة للطريق الصحيح واستقامة المسير دليل على عدم الصلاح وفساد السريرة، وأن الأمر يحتاج إلى من يرشد ويوجه لتصحيح مسارهم وتصفية معتقدهم وتطهير أنفسهم من دنس أفعالهم.
فقد عاش بينهم أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ما يقرب من ألفي عام قبل الميلاد، آمن من آمن به وصبأ منهم كُثر، وهو الجد الأكبر لبني إسرائيل من خلال ابنه إسحاق الذي أنجب يعقوب (إسرائيل) عليهما السلام.
ويعتبر أول نبي بُعث لليهود بشريعة هو موسى عليه السلام، ويعاضده أخوه هارون، الذي كُلف بإخراج اليهود من مصر بعد ما لاقوه من فرعون، وقد تلقى التوراة والوصايا العشر على جبل طور سيناء.
ثم تبعه نبي الله داود وسليمان وإلياس (إليا) واليسع، ثم زكريا ويحيى عليهم الصلاة والسلام، وغيرهم كُثر لا يحصاهم سوى الله عز وجل.
فقد بعثوا من الله رحمةً لعباده في الأرض، وكان آخر من بُعث فيهم ومنهم نبي الله عيسى عليه السلام، وهو المبشر لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل على لسان ابن مريم: (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين) (الصف: 6).
فردوا الحق وكفروا بالأنبياء، بل وقتلوهم، فغضب الله عليهم.
فأصبحوا "شعب الله المغضوب عليهم" من فوق سبع سماوات، في قرآن يتلى إلى قيام الساعة، لأسباب عظيمة وخطيرة تمس العقيدة وتوحيد الله عز وجل، ونقضهم عهد الله وميثاقه، وقتلهم الأنبياء، وتحريفهم للتوراة، واتخاذهم العجل، والجحود بالنعم، ورفضهم الإيمان بأنبياء الله عيسى ابن مريم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن كل من يتصف بأوصافهم ويعمل أفعالهم ينطبق عليه هذا الوصف من الغضب."
فكتب الله عليهم "التيه في الأرض أربعين عاماً"، علاوة على بغضهم من شعوب العالم من قديم الأزل، فلم يستحملوا مؤامراتهم ودسائسهم ومعتقداتهم الغريبة وتحفظ اندماجهم بسبب انغلاق مجتمعهم عليهم، على باقي مقتنعي الشرائع من النصارى والمسلمين. بالإضافة لصراعاتهم الطائفية والسياسية، فقد طردهم من الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول، ثم من إمبراطورية بابل في القرن السادس، ثم من إسبانيا عام 1492م، ومذابح اليهود في أوروبا (القرون الوسطى) في الفترة من (1096-1270) ومحارق الهولوكوست في ألمانيا (1939-1945)، وطردهم من الدول العربية (1948 وما بعده) بعد قيام دولتهم على أرض فلسطين.
فلم يجدوا لأنفسهم كرامة بين الشعوب إلا بعد سعيهم الحثيث وضغوطهم على أصحاب القرار لاستصدار قرار من الجمعية العامة بالأمم المتحدة عام 2015م يجرم عداء السامية. ويظهر خبثهم وغباء كيدهم أن السامية نسبة لسام بن نوح، ويعتبر من الأجداد الأوائل للعديد من الأقوام. يُنسب إليه العديد من الشعوب، ومنها "العرب واليهود والآراميون والآشوريون والأكاديون". أرادوا حماية أنفسهم وبقرار دولي لهم من عداء الشعوب لهم ورغبتهم في مساواتهم بجميع مقتنعي باقي الشرائع الدينية.
وكان أول من أطلق هذا المصطلح الصحفي الألماني اللبرالي "هو فيلهلم مار" (Wilhelm Marr) عام 1879م، الذي كان يدافع عن السامية، ولكنه تحول لاحقًا إلى معادٍ لها قبل وفاته في عام 1904م.
فعندما بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فكان خاتم الأنبياء والمرسلين، وكتاب الله العظيم "القرآن" آخر الكتب السماوية. وقد سخر الله عز وجل من عباده الصالحين من الرجال والنساء المؤمنين المخلصين ما يؤيدون ويناصرون شريعته ونبيه، فكانوا صحابته الكرام عليهم رضوان الله أول من ناصره، فأيدوه وقاتلوا معه، وبُشر منهم بالجنان في حياته ومنهم بعد وفاته.
فقد قيض الله لهذا الدين والشريعة السمحة رجالًا مخلصين حملوا الأمانة وأدوها، هم العلماء العاملون وبعض الحكام الصالحين الذين ناصروا الدين، فنصرهم الله على أعدائهم وأيدهم. وتوارثت الأجيال من بعدهم جيلًا بعد جيل من المسلمين من كافة بقاع الأرض بأطيافهم وأجناسهم.
فقد نشأت دول بسبب هذا الدين وسقطت أخرى، فاتسعت رقعة الدين الإسلامي من مشارق الأرض ومغاربها، ولله الحمد والمنّة، وتكاثر المسلمون في بقاع الأرض كلها.
ومما يغبطنا عليه المسلمون ويحسدنا الحاقدون ما نعيشه اليوم في وطننا الغالي من نعمة الإسلام والسلام والاستسلام لله عز وجل، ورغد العيش ليس بما نبذله لكي نحصل عليه، بل لما نتعبد به لله سبحانه وتعالى، ونصرة لدينه وتوحيده سبحانه وتعالى، وأيضًا دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه.
فمنذ قيام الدولة السعودية الأولى عام 1744م على يد المؤسس الإمام محمد بن سعود، والاتفاق التاريخي الذي تم بينه وبين الإمام محمد بن عبد الوهاب، والذي ترتب عليه تكوين وحدة سياسية على أرض الجزيرة العربية ونصرة لدين الله عز وجل بيد سلطان، وما ظهر من صدق نواياهم على المناصرة لدين الله، وقيام الدولة على شرع الله، وها هي الدولة مستمرة أجيالًا بعد أجيال.
ففي كل قيام لها تكون أقوى من سابقتها وأكثر نصرة لدين الله عز وجل. وبعدها الدولة السعودية الثانية على يد المؤسس الإمام تركي بن عبد الله آل سعود عام 1818م، وآخرها على يد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله عام 1902م، فقد أخلص النية وقيض الله له رجالًا مخلصين شدوا على يده وأعادوا ملك أجداده على عهد نهج اتفاق الإمامين. فعاد الوطن والسلم والسلام ليس لسكان نجد فحسب، بل لكامل المملكة العربية السعودية. ومن زارها واستوطن أراضيها يرى ذلك رؤيا العين، حيث وجدوا السكينة والطمأنينة في كل موضع يضعون أقدامهم فيه.
وليس ذلك فحسب، بل إن الله قد آمنهم واختارهم وأيدهم لخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله عز وجل. ليس حكومةً فقط، بل قد وجد المؤسس أن شعب المدينتين الغاليتين على قلوب المسلمين عامة "مكة والمدينة"، ومهد الرسالة ومنطلقها، شعبٌ جبلت قلوبهم وأنفسهم لخدمة ضيوف الرحمن من زوار بيت الله الحرام أو المعتمرين والحجاج من عهد الجاهلية إلى صدر الإسلام إلى وقتنا الحالي، بل وتراه واجبًا عليهم. فالبذل والعطاء صفة متأصلة في نفوسهم، توارثوه جيلًا بعد جيل.
وليس ذلك وحسب، بل إن عطاءهم قد وصل إلى كل أوطان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالبذل والعطاء الإنساني والإغاثي. فقد جعلنا الله الغني المتعال ملاذ شعوب العالم ومسكنهم ومأمنهم بعد الله عز وجل، وأيضًا دعمت من رفض العطاء لدعم عمارة الحرمين الشريفين، بل وما زالت تبذل للعالم الإسلامي والعربي.
إن من يريد أن يكون "شعب الله المختار" لا بد أن يكون على قدر ذلك. فما وهبنا الله به من نعم ومقدرات أغاظ أعداءنا وأشعل نار الحقد في قلوبهم بما وفقنا ومنحنا إياه الله من توحيد الله وإخلاص العبادة له وجميل الأفعال وحسن التدبير. فإسهامات الدولة لا حدود لها، وريادتها في القضايا العالمية الإسلامية والعربية لحلها ودعمها لا ينكره إلا حاقد. فخدمة الدين والدعوة له مستمرة، وتوحيد الله عنوانها قيادةً وشعبًا.
"فلا تجد موطنًا موحدًا" لا يوجد فيه شركيات ولا بدع مستحدثة ولا أضرحة تُزار "سوى" وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، وذلك لما يبذله رجال الدين العلماء الربانيون من تعليم وتحذير، ومن خلفهم قيادة مؤمنة تؤدي ما عاهدت نفسها عليه من نصرة لدين الله عز وجل.
نحن وقيادتنا رمز الوحدة الإسلامية والاجتماعية في أوقات الأزمات والنزاعات لكل شعوب العالم. فأثرنا ظاهر، علاوة على ذلك التعايش والسلام الإنساني الذي نعيشه ويعيشه معنا كل من زارنا أو عاش معنا أو انتخانا في محنته، سواء دول أو جماعات إسلامية مستضعفة أو أفراد. فتجدنا فريقًا تشكل دون اتفاق، دافعه تخفيف العبء عن المتضرر ونصرة المظلوم طالب المساعدة.
نحن، شعب وقيادة، الوحيدون في العالم المحافظون على الهوية الدينية الإسلامية في جميع جوانب حياتنا على مستوى دول العالم. فلا قانون وضعي يُسيرنا ولا عرف قبلي يحكمنا، بل نظام حكم مستمد من نصوص الشريعة الإسلامية. فلا يكون قوم "شعب الله المختار" إلا من كان موحدًا مخلصًا لله عز وجل ولشريعته طوعًا، وللدين ناصرًا، وللبشرية آمنًا، وللأمة الإسلامية ناصرًا، ولدماء الأبرياء حاقنًا، ولسلامة الخلق حارسًا.
فما نحن نعيشه الآن من خدمة الإسلام والمسلمين ليس لما نطلبه ونسعى إليه فقط، بل هو ما قدره الله لنا واختارنا من شعوب العالم لنا في هذه الأراضي "خدماً للحرمين الشريفين وضيوف الرحمن في الأراضي المقدسة لا خدام أضرحة". وكل من يسير معنا ويتصف بصفاتنا ينال ذلك الشرف العظيم من الوصف الجليل.
فالحمد لله دائمًا وأبدًا على جزيل نعمه ظاهرها وباطنها.