لست أدري كيف يستطيع أولئك إقناع أنفسهم وتطبيق عكس ما يؤمنون به!
في لحظة تجده نسي ما تعلمه من دين، وما نشأ عليه من خُلق وأراك تطبيقًا مشوهًا لشيء لا يصدر عن دين حقيقي أو خلق أصيل!
ما أكثر أولئك الذين يجيدون وعظ النَّاس –كل النَّاس- ويُخفقُون في وعظ أنفسهم!
أيها الكرام.. إنها نَفسُ المرء التي بين جنبيه، من لم يُحسن ضبطها وتهذيبها سرعان ما يهوي مع أول حظٍّ للنَّفس وامتحان للذَّات أمام شهوات الانتصار الشخصي، والمنفعة الذاتيَّة! فيصدقُ عليهم قول أبي هريرة رضي الله عنه: "يُبصِرُ أحدُكم القَذى في عَين أخيه، ولا يُبصِرُ الجِذْع في عين نفسه!".
مع كلِّ إشكال زوجي يمر بي أثق –بعد توفيق الله- أنَّ بمقدوري أن أقدِّم عونًا في سبيل الإصلاح، لكن حينما يكون أحد الأطراف من أولئك الذين لا يستطيعون رؤية أنفسهم فإنني أجد نفسي في حيرة كبيرة قد تجعلني أتوقف عن التقدُّم، مستحضرًا قوله تعالى: "أفمن زُيِّنَ لهُ سوءُ عمله فرآه حسنًا فإن الله يُضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"!.. إنني أمام حالة تكيل بمكيالين، وتُطبِّق ما تعرف على غيرها، ثم تبرِّئ ذاتها –أو مَن يخصّها- بصورة ساذجة في كثير من الأحيان، وأكثر ما أجده حين يتعلق الأمر بابنته المتزوجة التي يدافع عنها بالحق والباطل، أو شريك حياته الذي دب بينهما خلاف؛ تحت مبدأ: "خذوهم بالصُّوت"! و: "عنزٌ ولو طارت"! حينها أتذكر موقفًا –وأنا في العاشرة من عمري- أن والدي –حفظه الله- كان بجوار مؤذن المسجد بانتظار إقامة الصَّلاة، وكنت أرقب حديثهما، فإذ بالمؤذن يتحدث بسوء عن الإمام، فيرد والدي: أصلح الله الجميع، لكن لعلك تتوقف عن غيبته حتى لا يأخذ من حسناتك! فإذ بذلك المؤذن "الوقور" يرد بقوَّة ويقين: أبشرك! تراه بعيد عن حسناتي!! يتبسم والدي ويعرض عنه مكملاً ورده من القرآن، والسؤال: أيُّ يقين يتحدث به؟! وهل اطَّلع على الغيب؟ وكيف سوَّغ لنفسه غيبة الإمام في محراب المسجد بين الأذان والإقامة، وهو يحفظ كلَّ ما جاء في التحذير من الغيبة؟!
لقد صُدمت يومها بهذا المستوى من الرد، وظل في نفسي حتى وقفت على مواقف تماثلها –أو تزيد- خاصة في خلافات بعض من يرون أنفسهم ملتزمين دينيًا، ويُصنِّفون أنفسهم أنهم في مراقي الخلق وحسن التربية التي يُضرب بها المثل!
ولعلي أشير إلى نقاط موجزة في سبيل النجاة من هذا الاتجاه، فمن ذلك:
- أن يُربي المرء نفسه على محاولة تفهُّم الآخرين، وتدريب ذاته على مهارة الانتقال من منطِقه إلى منطِق خصمِه؛ لفهم منطلقاته وتقييمها، فيَفترض أن هذه المشكلة قد وقعت لأشخاص آخرين وجاء من يستشيره فيها، وهذا لن يكون إلا بعد أن يجاهد نفسه على التجرُّد للحق، ومحاولته الدائمة أن ينتصر على ذاته.
- ضرورة أن يُحسن المرء إحاطة ذاته بواحد أو أكثر ممن يثق في حكمته وصدق محبته، بحيث يعود إليه في الظروف والخلافات؛ ليكون مرآة يُريه ذاته بعدسة غير مشوشة، ومن ثمَّ يكون له طوق نجاة يعصمه من الظلم والتعدِّي.
- أن يُراجع فهمه باستمرار لنصوص الوحيين، ومقاصد الزواج، ومسؤوليات كل شريك، ولا يكتفي بفهمه القديم الذي تربى عليه؛ فلربما قد فهم النصَّ خطأ، فحينها يكون معه الدليل ولا يجيد الاستدلال به، فيضلُّ بسببٍّ كان يُفترض أن يكون سبب هدايته!
- ألا يتسرَّع في إبداء رأيه، أو قول كلمته الأخيرة في قضايا الخلافات الزوجيَّة وما يشبهها؛ لأنَّ تلك المهلة تمنحه فرصة اختبار رأيه، وتحسينه، وغالبًا ما يكون الرأي الأولي اللَّحظي رأيًا مشوبًا بحظوظ النَّفس، خصوصًا لو خرج وقت غضب أو ردة فعل.
مخرج
الكثير يَقول.. والأغلب يُدرِك.. والأقل يعمل!
ـــــــــــــــــــــ
*بتجث ، وناشط إجتماعي