شهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة واحدة من أعنف الفترات في تاريخها الحديث، حيث أصبحت البلاد مسرحًا لصراع دامٍ أودى بحياة الملايين، وخلّف دمارًا شاملًا للبنية التحتية، ونزوحًا قسريًا لعدد هائل من المواطنين. واليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، يقف الشعب السوري على مفترق طرق بين فرحة عارمة في صفوف المعارضة وقلق عميق بشأن مستقبل البلاد.
السقوط: لحظة تاريخية وفرحة مؤقتة؟
مثّل سقوط النظام لحظة تاريخية للمعارضة السورية التي طالما تطلعت للتحرر من قبضة الحكم الشمولي الذي استمر لعقود. خرجت الجموع في المدن المحررة تحتفل بهذه اللحظة، معتبرة أنها بداية لعهد جديد من الحرية والكرامة. لكن وسط هذا الفرح، يظل السؤال الأهم: هل سيتمكن السوريون من استثمار هذا النصر لتحقيق الاستقرار؟ أم أن البلاد قد تنزلق مجددًا في دوامة صراعات جديدة على السلطة؟
هل يعيد التاريخ نفسه؟
تُظهر تجارب دول أخرى أن مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة لا تقل تعقيدًا عن السقوط نفسه.
• تجربة العراق: بعد سقوط صدام حسين، غرقت البلاد في نزاعات طائفية وسياسية مدمرة، وسط تدخلات خارجية واستغلال غربي لموارد الدولة تحت ذريعة "إعادة الإعمار".
• تجربة السودان: واجه السودانيون بعد سقوط نظام البشير حالة من عدم الاستقرار السياسي، مما أدى إلى صراعات بين القوى المدنية والعسكرية وزاد من تعقيد المشهد.
• تجربة ليبيا: سقوط معمر القذافي ترك البلاد في حالة من الفوضى، مع تنافس الميليشيات المسلحة وانقسامات سياسية حادة بين الشرق والغرب، ما جعلها مسرحًا للتدخلات الخارجية.
• تجربة اليمن: سقوط علي عبد الله صالح لم يجلب الاستقرار، بل فتح الباب أمام حرب أهلية مدمرة حيث تنافست الأطراف السياسية والمسلحة على النفوذ، وسط تدخلات إقليمية زادت من تفاقم الأزمة الإنسانية.
• تجربة أفغانستان: الانتصار على السوفييت تحول إلى صراع داخلي بين الفصائل، مما فتح الباب لتدخلات غربية واسعة النطاق، وجعل البلاد رهينة لاستراتيجيات "الاستعمار الأبيض".
مصير سوريا: بين الطائفية والسياسة؟
في سوريا، يتوقع البعض أن يؤدي سقوط النظام إلى ظهور جبهات صراع طائفية وسياسية جديدة، خصوصًا في ظل التعدد العرقي والطائفي. وقد تسعى قوى المعارضة إلى ملء الفراغ، لكن يبقى السؤال: هل ستتوحد هذه القوى تحت راية واحدة؟ أم أن التباينات الأيديولوجية والطموحات الفردية ستؤدي إلى تمزق الصفوف؟
من جهة أخرى، تبقى القوى الدولية والإقليمية عنصرًا رئيسيًا في المشهد السوري. فالدول الغربية، التي أدانت النظام طويلًا، قد تستغل سقوطه لتعزيز نفوذها تحت مبررات إنسانية أو لإعادة الإعمار. في الوقت نفسه، لن تتوانى القوى الإقليمية عن التدخل لضمان مصالحها في سوريا ما بعد الأسد.
الحلول الممكنة: ما العمل؟
لتجنب تحول النصر إلى لعنة، يجب أن تركز الجهود على:
• بناء نظام سياسي جامع: الاتفاق على ميثاق وطني يضمن حقوق جميع السوريين بعيدًا عن النزعات الطائفية أو العرقية.
• إعادة بناء المؤسسات: التركيز على الكفاءة والشفافية في إعادة بناء المؤسسات المدنية والعسكرية لضمان استقرار الدولة.
• رفض التبعية الخارجية: اتخاذ موقف حازم ضد محاولات الهيمنة الخارجية، ووضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
بين الأمل والحذر
سقوط نظام بشار الأسد يمثل نقطة تحول تاريخية، لكنه أيضًا اختبار حقيقي للسوريين. بين فرحة النصر وقلق المستقبل، يكمن التحدي الأكبر في قدرتهم على تحويل هذه اللحظة إلى بداية لبناء دولة تلبي تطلعاتهم وآمالهم، دون الوقوع في الفوضى أو تكرار مآسي دول أخرى مثل العراق أو ليبيا أو اليمن. فهل سينجح الشعب السوري في مواجهة هذا التحدي؟ أم أن البلاد ستدخل نفقًا جديدًا من الصراعات؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
بقلم - هشام نتو
وماذا بعد السقوط والنصر !!؟
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/292146/