بعد شهرين من الغياب، من حضور حفل تقاعد الصديق العزيز و الاخ الكريم يحيى غبيري أعود إلى جازان، وفي الذاكرة مأدبة غداء العزيز عبدالحكيم الحازمي في منزله العامر ، اعود إلى المدينة التي لا تملّها الروح ولا يكتفي منها القلب ، حيث يفوح عبق الفل والكادي، وحيث الطبيعة تتجلى في أبهى صورها، تستحق هذه البقعة من الوطن أن تُزار مرات ومرات، فكل زيارة لها هي حكاية جديدة تُكتب بروح متجددة
في طريقي إلى جازان عبر ثلاثة وسائل المركبة الخاصة (من المنزل إلى محطة القطار بمكة ) وقطار الحرمين السريع (مكة – جده) ثم طائرة طيران أديل (جده – جازان ) كتبت هذه الاسطر
وهذه الرحلة مختلفة، فقد جاءت بروح الشباب رغم أن الذكريات تعود بنا إلى نصف قرن مضى ، صحبة الأحباب والأصدقاء القدامى تضفي على الزيارة نكهة خاصة، نكهة الوفاء لعلاقات لم يزدها الزمن إلا متانة. أسماء لامعة كانت جزءًا من تلك الأيام الجميلة، نلتقي من جديد بأحمد الحازمي، يحيى غبيري، علي مصيري، محمد شمسان ، وسعد الفرج. كما سيكون معنا علي بكر ، وعمران حمزه ، ومنصور المقطيب، وضيف الله القثامي، ونايف الكابلي، وناصر فلاته، وأحمد الدوسري، ومحمد الشمراني، وعلي مجمي، وغيرهم من الأسماء العزيزة التي ما زالت صورها عالقة في الذاكرة. وقد يكون لقاء البعض منهم مفاجأة سارة بعد غياب طويل جدًا.
سنبدأ جولتنا من فرسان، تلك الجزيرة الفاتنة التي تلامس زرقة البحر بأمواجها الحالمة. سنبحر في مياهها الصافية، ونستمتع بسحر شواطئها، ونستعيد هناك لحظات محفورة في الذاكرة ، ثم نواصل إلى وادي لجب، ذلك الشق الصخري المدهش الذي يخطف الأنفاس بجماله وغموضه، حيث تتدفق المياه بين جنباته وتكسو جدرانه الخضراء بسحر الطبيعة. وبعدها، ستكون لنا وقفة مع الجبل الأسود، حيث الأجواء العليلة والمشهد البانورامي الذي يأسر العين والقلب معًا.
ولا تكتمل رحلتنا إلا بتذوق أشهى الأكلات الشعبية الجازانية التي تُعد رمزًا لكرم الضيافة وأصالة المذاق. سنستمتع بالأطباق اللذيذة ، ونتذوق المغش بلحمه الطري المتبل، وننعم بمذاق الحيسة الشهية، ونختم وجبتنا بالعريكة الساخنة. كل لقمة تحمل معها عبق التراث ودفء المائدة الجازانية التي لا تُغلق أبوابها أمام الضيف.
جازان ليست مجرد وجهة، إنها حكاية ممتدة من الحب والجمال، تتجدد في كل مرة نزورها، وتفتح لنا أبواب الذكريات القديمة لتضيف إليها صفحات جديدة من الفرح والمتعة.





