المساجد هي بيوت الله التي يُرفع فيها الأذان وتُقام فيها الصلوات، وهي محاضن الطمأنينة والسكينة، حيث يجد فيها المسلم راحة روحه وطمأنينة قلبه. ولذا، فإن العناية بها، تنظيفًا وصيانةً، ليست مجرد مسؤولية، بل هي عبادة نتقرب بها إلى الله، وعلامة على مدى تعظيمنا لهذه البيوت الطاهرة.
نظافة المسجد.. انعكاس لتعظيم شعائر الله
جعل الله للمساجد منزلة عظيمة، وأمر بتعظيمها وصيانتها، فقال تعالى:
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور: 36-37].
وإن كان رفع المساجد يعني بناؤها وإقامتها، فإنه يشمل أيضًا العناية بها، تنظيفًا وترتيبًا، وتوفير بيئة مريحة وهادئة للمصلين وطلاب العلم. فالاهتمام بالمسجد، بدءًا من نظافة السجاد، مرورًا بترتيب المصاحف، وصولًا إلى صيانة المرافق، هو عمل جليل يثاب عليه فاعله عند الله.
عناية الأنبياء ببيوت الله
لقد كان الأنبياء عليهم السلام أول من تولى شرف العناية ببيوت الله، كما قال تعالى في شأن نبييه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125].
فإذا كان تطهير المسجد من مسؤوليات الأنبياء، فكيف لا يكون من أولى أولوياتنا؟
المسؤولية جماعية.. فكن جزءًا من العطاء
المحافظة على نظافة المساجد لا تقع على عاتق إمام المسجد أو العاملين فيه فقط، بل هي مسؤولية كل من يدخل بيت الله، فكما نسعى للحفاظ على نظافة بيوتنا، فمن باب أولى أن نحافظ على بيوت الله. لكن، وللأسف، نجد أحيانًا بعض المصلين يتركون خلفهم مناديل مستخدمة، أو زجاجات مياه لم يُستهلك منها سوى القليل، أو بقايا طعام، وكأن نظافة المسجد مسؤولية غيرهم، متناسين أن هذا السلوك لا يليق بمسلم يحرص على تعظيم شعائر الله.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ابْنُوا المَسَاجِدَ، وَأَخْرِجُوا القُمَامَةَ مِنْهَا، فَمَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَإِخْرَاجُ القُمَامَةِ مِنْهَا مَهْرُ الحُورِ العِينِ”.
خادم المسجد.. صاحب الأجر العظيم
أن تكون خادمًا لبيت الله، تعتني بنظافته وترتيبه، فأنت على ثغر من ثغور الخير، تحظى بأجر عظيم، وتقتدي بالأنبياء والصالحين. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدر من يخدم المسجد، حتى إنه افتقد يومًا امرأة كانت تنظفه، فلما علم بوفاتها، سأل عنها، وذهب إلى قبرها وصلى عليها، تكريمًا لها ولمكانة عملها.
لمسة وفاء لبيوت الله
حين تدخل المسجد في المرة القادمة، تأكد أنك تتركه كما تحب أن تجده، بل وأفضل. لا تلقِ أي مخلفات، بادر بإعادة ترتيب المصاحف، حافظ على نظافة المواضئ، وكن قدوة لغيرك في احترام قدسية المكان. فالمسجد بيتك الثاني، واهتمامك به هو أقل ما تقدمه خدمةً لبيت الله وتعظيمًا لشعائره.
اللهم اجعلنا من عُمّار بيوتك، القائمين على طهارتها، المتفانين في خدمتها، واملأ قلوبنا بتعظيمها كما يليق بجلالك وعظمتك





