كتبتُ بالامس مقالًا عن (شيكاغو) ، اظهرتُ خلاله الوجه الحسن عن المدينة الكبيرة واللامعة، ثالث أكبر مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد نيويورك ولوس أنجلوس. مدينة ناطحات السحاب، والجامعات العريقة، والفنون، والموسيقى والرياضة. اليوم نلقى الضوء على الوجه الاخر (القبيح) لا تراه في الإعلانات أو كتيبات السياحة. فهي تلمع في الأعلى وتتألم في الأسفل. وأنا أعيش في هذه المدينة، رأيت هذا الواقع بأم عيني.
في قلب هذا الجمال الظاهري، تتعمق جراح اجتماعية ومشاكل إنسانية صادمة. آلاف الأشخاص يعيشون في شوارع شيكاغو بلا مأوى، يتجمدون تحت البرد القارس في الشتاء، بينما تقف المباني الشاهقة والفنادق الفخمة خالية لا يسكنها أحد. (ناس تموت من البرد وناس ما تدري وين تصرف فلوسها) . مأساة إنسانية في واحدة من أغنى مدن العالم. فهي بحق مدينة الأضواء التي تعيش في الظلام.
في شيكاغو، ترى التناقض الصارخ بوضوح: فهناك ناطحات سحاب ومنازل فاخرة لا تبعد سوى دقائق عن أحياء فقيرة تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة، مثل أحياء "ليتل فيليج" (Little Village)، و"واشنطن بارك" (Washington Park)، و"ويست إنجلوود" (West Englewood)، و"وودلون" (Woodlawn)، و"ساوث شور" (South Shore). التفاوت الطبقي حاد، والتمييز العنصري واضح، خاصة ضد أصحاب الأصول الإفريقية واللاتينية، الذين يعانون من قلة فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية. فالناس في بعض الأحياء عايشين مأساة حقيقية، لا شغل ولا أمان.
أما ليل المدينة، فتعيث فيه عصابات المخدرات فسادًا، ويكثر فيه من أطلقتً "أنا" عليهم "ذباب الليل"، أرباب الترويج والانحراف. بينما يهيمن على نهارها مظاهر الانفلات الأخلاقي، حيث تنتشر مظاهر الشذوذ وتُفرض أفكار غريبة على الفطرة السليمة. وعرفتهم "أنا" بـ"خفافيش النهار"، الذين يعثون في الأرض فسادًا، بحماية من قوانين تُقصي القيم وتُشجّع الانحراف.
ولا يقف الأمر عند الفقر والتشرد فقط، بل يتعداه إلى تفشي الجريمة وانتشار العنف في كثير من الأحياء. أما شوارع بعض الأحياء، فقد تحولت إلى ساحة رعب يومية بفعل "غربان الرعب"، المسلحين الذين لا يترددون في إطلاق الرصاص على المارة، تاركين وراءهم دماءً ودموعًا وبيوتًا مفجوعة. أصبح هذا المشهد معتادًا، والعنف المسلح يحصد أرواح الأبرياء بشكل شبه يومي. شباب يُقتلون، وعائلات تُفجع، والحلول بطيئة أو غائبة.
شيكاغو ليست فقط مدينة الفن والعمارة والرياضة، بل أيضًا مدينة الجراح الاجتماعية والمشاكل العميقة. لا بد من مواجهة هذه التحديات بشجاعة، والاعتراف بأن الجمال الظاهري لا يخفي المعاناة الحقيقية التي يعيشها كثير من سكانها. فالمباني لا تعني شيئًا إذا كان الإنسان منسيًّا، والضوء لا يضيء إن كان الفقر والظلم والانحلال يملآن الزوايا ، باختصار هذا هو الوجه للأخر للمدينة الحالمة (شيكاغو) وماخفي كان أعظم ، هذا علمي وسلامتكم .
ــــــــــــــ
للتواصل:
abulouy@