أسترجع ذكرياتي في مثل هذه الأيام منذ 46 عاما "وللحديث ذكريات"... كلمات أيقظت في نفسي عبق الماضي، حين حرك الزميل محمد برناوي مشاعري بمقاله المنشور اليوم الجمعة الـ3 من شهر ذي الحجه 1446هـ ، فعادت بي الذاكرة إلى العام 1979، حين كنت طالبًا في جامعة الرياض، التي تُعرف اليوم باسم جامعة الملك سعود، وعضوًا نشطًا في جوالة الجامعة.
كنا نؤدي خدمات تطوعية داخل كلية التربية، ومع اقتراب موسم الحج، كانت وجهتنا السنوية إلى مكة المكرمة، حيث نلتحق بجوالة الجامعات الأخرى، ويكون مقرنا الرئيسي في العزيزية. وهناك، تبدأ رحلة العطاء.
" كنا – نحن الجوالة والكشافة والقادة – نُكلف بمهمة ميدانية دقيقة: المسح الشامل للمشاعر المقدسة (منى، عرفات، مزدلفة)، لتوثيق المواقع المهمة، من شواهد وأبنية حكومية وشوارع، سواء كانت قديمة أو حديثة، بهدف إصدار خرائط ميدانية إرشادية تُساعد في توجيه الحجاج التائهين.
كانت المهمة شاقة، لكنها ملهمة. كنا نسير أكثر من 50 كيلومترًا مشيًا على الأقدام، نبدأ صباحًا من مكة إلى منى، ثم نعود إلى العزيزية لأداء صلاة الظهر وتناول الغداء وأخذ قسط من الراحة، ثم ننطلق من جديد إلى عرفات فمزدلفة، لنواصل العمل حتى بعد صلاة العشاء، قبل العودة إلى مقرنا الرئيسي.
جهودنا لم تكن عبثًا؛ فقد أثمرت عن خرائط دقيقة وفعالة وزعت على القادة والكشافة والجوالة، وتمكنا من خلالها من إرشاد ضيوف الرحمن إلى أماكن إقامتهم، كما أسهمنا في توفير التوعية الصحية، وتوجيههم إلى المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة في المشاعر.
تجربة لا تُنسى... عززت فينا قيم العطاء والتضحية والانضباط، ورسخت قناعة راسخة بأن شباب هذا الوطن قادرون على تحدي الصعاب متى ما أُعطيت لهم الثقة والفرصة.
وفي هذا السياق، أرفع شكري وامتناني إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والحكومة الرشيدة، والشعب السعودي الكريم، ولكل من يعمل على خدمة ضيوف الرحمن.
أخيرًا، إلى أستاذي العزيز محمد برناوي، لك من القلب كل التقدير، فقد كنت وما زلت مصدر إلهام في غرس قيم العطاء والتفاني.
وللحديث... ذكريات لم تُروَ بعد.
ـــــــــــــــ
*رائد كشفي بحريني





