في زمن تُقاس فيه القيمة بالصوت الأعلى، ويُفرض الإيقاع السريع على الفنان أن يكون "واضحًا"، "جاهزًا"، و" قابلًا للفهم"، ينبثق سؤال:
هل يجب على الفنان أن يشرح؟
أن يدافع عن عمله، يُبرّر رموزه، يُفكّك إشاراته، ويُترجم أحاسيسه إلى لغة مفهومة كي يُصدّق؟
وهل إن لم يفعل، يُعدّ غامضًا، أو متعاليًا، أو -والأسوأ- ضعيفًا في الفكرة؟
هل ننسى أحيانًا أن الفن لغة؟ لغة تتجاوز الكلمات؟
حين نطلب من الفنان أن يشرح، ماذا نطلب حقًّا؟
هل نحاول أن نُخضع العمل الفني لمنطق التفسير أكثر من منطق الشعور؟
الفن، كما نعيشه، ليس كمحاضرة.
إنه علاقة، لقاء، شيء بينك وبين العمل الفني، لا يحتاج دائمًا إلى ترجمة حرفية، بل إلى إحساسٍ مرهف يُقدّر ويستوعب معنى الإبداع الفني ودرجة تحقّقه.
لم تعد اللوحة وحدها كافية لتقف؛ يجب أن تُدعّم بخطة تسويقية أو بزخمٍ من الأفكار التي تأخذك في دوّامة.
أليس في هذا إفراغٌ لقيمة العمل لصالح "الوضوح" و"القبول الجماهيري"؟
أخشى أن نكون نُدرّب الفنانين الجدد على الشرح، لا على الصدق؛ على الاستعراض، لا على الرؤية المتّسعة.
وأخشى أن نعلّمهم كيف يتحدثون عن فنّهم، قبل أن يكتشفوا أصواتهم الداخلية التي تصنع هذا الفن.
أنا لستُ ضد طرح الأفكار...
بل أقدّر حين تأتي الفكرة صادقة، نابعة من الحاجة، لا من التوقّع.
حين يتحدث الفنان لأنه يريد أن يشارك الرحلة، لا لأنه مطالب بتفسير نهايتها.
كل فنان مرّ بلحظة شك، حين نظر إلى عمله وسأل نفسه:
"هل سيفهمني أحد؟ وهل يهم؟"
وهذا سؤال مخيف، لكنه في العمق... جميل؛ لأنه يُعيد الفن لمكانه الأصلي: تجربة شخصية، ثم مفتوحة للآخرين، لا العكس.
أنا لا أملك إجابة قاطعة، لكنني أعلم أن الصمت أحيانًا، حين يكون نابعًا من ثقة، أبلغ من ألف تبرير.
وأن العمل الفني الذي يُرغمك على الشعور، لا يحتاج إلى حواشٍ.
فدعوا العمل يُرى.
ودعوا الفن يراكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحثه في الفنون البصرية





