لقد اختار الباري _ سبحانه وتعالى _ تلكم الأيام الأُول من شهر ذي الحجة خير الأيام وأفضلها وأرجاها في العام على الخلاف بين العلماء في تفضيلها على العشر الأواخر في رمضان .إذ أقسم تعظيماً وتبجيلاً لها وذلك في قوله _ سبحانه وتعالى _ : ]وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(، قال أهل العلم المراد بالعشر في الآية : العشر الأوَل من شهر ذي الحجة . إنها خير أيام العمل الصالح ؛ فما تُقرب إلى الله بعبادة أفضل من التقرب إليه _ سبحانه وتعالى _ في هذه الأيام المباركة ، فقد صح عنه r: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)). وليس بخافٍ أن الناس تتكالب على فرص الدنيا ما بين غرتها وطرتها، ومابين مساقط الغيث ومعارج الأفلاك في سائر الأيام، قد شغفتهم حباً وكلفاً وصبابةً وتتيماً ، بيد أن هذه الأيام أقبلت فيها فرص الآخرة لائحة لامعة ناصعة ساطعة، وهباتها وجوائزها ونسائمها ونفحاتها. ولهذا يجدر بالعاقل أن يضرب بها بسهم، وأن يقتسم هذا الخير مع المقتسمين، وأن يهتبل هذه العشر، بالتوبة إلى الله ، والاجتهاد في العبادة، والإكثار من عمل الصالحات، وملازمة الدعاء والذكر والاستغفار وقراءة القرآن والصدقة ؛ قال سبحانه: ] وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ(، ومن لطف الباري _ سبحانه وتعالى _ أن جعل خاتمة هذه العشر، فرحة عارمة تدب دبيباً في قلب كل مسلم، تلج الأحشاء والضلوع والجوانح بلا استئذان، وتتربع في سويداء النفس وطياتها وثنياتها، إذ يفرح مع ذويه وعصبته وعشيره وقبيله وزمرته ورهطه فرحة العيد، ويتجاذب معهم أسلاك الحديث الذهبية من التهاني والتبريكات واللقاءات، حيث تصفو الدخائل، وتزداد اللحمة ، وتعظم الوشيجة، ويُلأى الثأي ، ويُرتق الفتق، ويُجبر الصدع، ولسان حالهم ، الأثر الجميل: تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
ــــــــــــــ
*أستاذ الدراسات الفكرية بجامعة الملك فيصل





