منذ أن وعيت على الحياة، أدركت أن العشق الحقيقي لا يُصطنع. يولد في القلب، يكبر معك، يشكّل ملامحك، ويصنع مسارك. عشقت الرياضة، فوجدت فيها انطلاقي، طاقتي، وتحدياتي الأولى. وعشقت موازيا لها الكشافة، فشعرت من خلالها بروح الجماعة، ونبل الخدمة، وصدق التطوع. وبدات وانطلقت في عالم الصحافة والعمل الإعلامي معهما، فكانا منبرًا لصوتي، ونافذة لأفكاري، وميدانًا لرسائلي.
وكنت دائمًا أظن أن كل عشق، مهما اشتد ومهما طال، لا بد أن يخفت يومًا، أو يزول أثره مع مرور الزمن. بل كنت أعتقد أن العشق يتراجع تلقائيًا عندما يحضر عشقٌ آخر ينافسه. لكني لم أكن أعلم أن هناك عشقًا مختلفًا، لا يشبه غيره، ولا تنطبق عليه هذه القاعدة.
منذ عام ونيف فقط، وعندما أطلقت كتابي الأول ثم الثاني، شعرت أن شيئًا ما تغير في داخلي. لم يكن مجرد إصدارين عابرين، بل كانا بوابة لعشق جديد اجتاحني من حيث لا أدري. خلال أقل من شهرين، تتابعت الكتب، وتدفقت المسودات، كأن الكتابة كانت تنتظر لحظة انفجارها الأولى لتبدأ رحلتها التي لا تنتهي.
اكتشفت أني لا أؤلف فقط، بل أعشق فعل الكتابة نفسه. أعشق الفكرة حين تهمس لي، والعبارة حين تتشكل، والصفحة حين تمتلئ، والكتاب حين يولد. لم تكن الكتابة بالنسبة لي مجرد هواية، بل أصبحت حالة شغف مستمرة، وطقسًا يوميًا لا يُملّ. ما إن أضع النقطة الأخيرة في مؤلف، حتى تبدأ فكرة جديدة تُلحّ عليّ، وترافقني حتى تولد بدورها كتابًا جديدًا.
وفي فترة وجيزة، صدرت لي مجموعة من الكتب التي أعتز بها، وكل واحد منها يمثل مرحلة من مراحل هذا العشق المتصاعد:
- كتاب "رواد الكشافة العرب – سيرة ومسيرة" (نسختان): توثيق لمسيرة نخبة من رواد الكشافة العرب من المحيط إلى الخليج.
- كتاب "تجربتي في بلاد العم سام": خلاصة ثمانية أعوام من العيش في الولايات المتحدة الأمريكية.
- كتاب "أمريكا في ميزان المتناقضات": نظرة واقعية لعادات ومشاهد متناقضة رأيتها وعشتها في بلد الحريات.
- كتاب "رمضانيات – عادات وعبادات تبقى وتحيا": توثيق شخصي لعادات رمضانية عمرها نصف قرن.
- كتاب "وجوه في الصحافة – سيرة ومسيرة": سيرة زملاء المهنة الذين جمعتني بهم الصحافة والميادين الإعلامية.
- كتاب "فريق التضامن – نشأته وتاريخه وبيئته": ذاكرة الحي، وذكريات الطفولة، ومظاهر من زمن الطيبين.
- كتاب " في ظلال النُسك – رحلة تأملات حول الحج والعمرة" كتاب قيد الإعداد يوثق جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، ويعرض قصصًا مؤثرة من مواسم الحج، إلى جانب ملحق مصوّر.
كل كتاب من هذه الكتب لم يكن مشروعًا عابرًا، بل فصلًا جديدًا في قصة عشق لا تتوقف. وكل قارئ يصل إلى سطر من هذه المؤلفات، يشعر وكأنه شريك في هذا العشق.
اليوم، أقولها بوضوح: عشقي للتأليف لا يشبه أي عشق عرفته من قبل. إنه لا ينطفئ، بل يزداد اشتعالًا كلما أنهيت كتابًا وبدأت آخر. أشعر أنني وجدت في الكتابة ملاذًا دائمًا، ومساحةً أكون فيها أنا كما أنا. كأني وجدت بيت العاشقين الأخير. عشقي الأبقى ، وأوجّه رسالة لكل من يشعر بداخله بميلٍ للكتابة، أو هاجس تأليف، أو فكرة تداعب خياله منذ زمن: لا تتردد. أخرج ما بداخلك إلى حيز الوجود. ستكتشف – بإذن الله – متعة لا تُوصف، وشغفًا يدهشك، وعشقًا يأخذك من عالمك المعتاد إلى عالم آخر مجنون، مختلف، غريب في تفاصيله، لكنه قريب من قلبك حد الإدمان. الكتابة ليست مجرد حبر على ورق، بل ولادة جديدة... عالمك الخاص الذي لا يشبه أي عالم آخر. هذا علمي، وسلامتكم.






التعليقات 1
1 ping
أحمد السعيــــد
03/06/2025 في 8:39 ص[3] رابط التعليق
صحيح عالمك الخاص لايشبه أي عالم . . . بارك الله فيك كاتبنا المبدع الأستاذ محمد برناوي