" لَبَّيْكَ اَللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ اَلْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكِ، لَا شَرِيكَ لَكَ "في يوم عرفة، يقف ملايين البشر على صعيد واحد، وكأنهم في مشهد من مشاهد يوم الحشر، القلوب خاشعة، والأنفاس متقطعة من الدعاء، والعيون تفيض بالدموع رجاءً في القبول.
مدينة لا مثيل لها، بُنيت في شهرين ونيف، وعمرت بالبشر ليوم واحد فقط. يوم واحد لا يُكلم فيه الناس إلا دعاءً وابتهالًا، ، لا بيع فيه ولا شراء، لا جدال ولا خصام، بل وقفة خالصة لله وحده. في هذا المشهد المهيب، اجتمع أكثر من مليونين ونصف المليون إنسان، تحفّهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، شعثًا غبرًا ، ورفعوا أكفّ الضراعة لخالقهم، يسألونه حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.
رغم الزحام الشديد وكثرة الناس، لا تفشٍ للأوبئة، ولا انتشار للأمراض. السكينة تغمر المكان، والأمان يحيط بكل حاج. رجال الأمن منتشرون، يعملون بجد واجتهاد، سخرهم الله لخدمة ضيوفه، فجزاهم الله خير الجزاء. خدمات طبية واجتماعية، ومبرات خيرية، وتوعية ودعوة، كل القطاعات – الحكومية والخاصة – تعمل بلا استثناء لتحقيق هدف واحد النجاح في خدمة وفود الرحمن.
جبل الرحمة اكتسى بالبياض، وساحاته امتلأت بالحجاج، ونمرة ازدحمت، وعرفة كلّها موقف، إلا بطن عُرنة لم قف فيه الحجاج امتثالا للنهي رغم اتساع الوادي.
ومع غروب شمس هذا اليوم العظيم، ينفر الحجيج في مشهد لا يتكرر في أي مكان على وجه الأرض ، المشهد مهيب، والمنظر رهيب، لا يُمكن وصفه، ولا يشعر بعظمته إلا من وقف في هذا المكان، متجردًا من لباسه، متوجهًا إلى ربه، رافعًا كفّيه، يرجو رحمته ومغفرته.
نسأل الله أن يكتب لكل مسلم، في أقصى الأرض وأدناها، حظًا من هذه الفريضة العظيمة، وأن يبلغهم الوقوف على هذا الصعيد الطاهر المبارك، متجردين من الدنيا، ملبّين لنداء الحق، متوجهين إليه بقلوب خاشعة ونفوس طامعة في رحمته.
اللهم لا تحرم أحدًا من حج بيتك الحرام، وزيارة مسجد نبيك عليه الصلاة والسلام، واجعل لنا فيه أوفر الحظ والنصيب.





