في كل موسم حج، وفي مثل هذا اليوم أول أيام عيد الأضحى المبارك ومع تدفق ملايين الحجاج إلى المسالخ وأماكن ذبح ، تتجدد الحاجة إلى تنظيم عمليات ذبح الهدي والأضاحي بطريقة شرعية، صحية، وإنسانية. ومن هنا، بزغت فكرة مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي، الذي تحول منذ انطلاقه عام 1983م إلى نموذج عالمي في إدارة نسك الهدي والأضاحي، يحقق مقاصد الشريعة ويخدم ملايين المسلمين في أنحاء المعمورة.
كانت البداية من حاجة الحجاج إلى وسيلة تُمكّنهم من أداء نسكهم دون عناء أو ارتباك. فجاء المشروع ليتيح لهم أداء الهدي والفدية والصدقة والعقيقة بطريقة ميسرة، سواء بالحضور الشخصي أو عبر التوكيل. ومن خلال منصة إلكترونية حديثة، ومنافذ بيع منتشرة في مكة المكرمة، بات الحاج أو المسلم في أي مكان بالعالم قادرًا على شراء سند رسمي، يضمن أداء النسك في وقته المحدد، ووفق الضوابط الشرعية.
ما يميز مشروع "أضاحي" هو التزامه الصارم بالشروط الشرعية والصحية في اختيار الأنعام. حيث تُختار الأغنام، والجمال، والأبقار بعناية، ويتم فحصها بيطريًا قبل الذبح، ويُشرف على تنفيذ النسك لجان شرعية وصحية متخصصة. هذا التنظيم يضمن سلامة اللحوم ويمنع المخالفات التي قد تفسد النسك أو تهدد الصحة العامة.
يدير المشروع ثمانية مجمعات للذبح في مكة المكرمة، خمسة منها مفتوحة، وثلاثة مغلقة. المجازر المفتوحة تتيح للحجاج الإشراف أو المشاركة بأنفسهم في النسك، أما المجازر المغلقة فهي مخصصة للتوكيل، وتُدار بأنظمة آلية حديثة ترفع الكفاءة وتُسرّع الإنجاز. هذا التوزيع ساهم في تقليل الازدحام، وحفظ البيئة، وتنظيم العمل ضمن أوقات الشعائر.
لا ينتهي دور المشروع عند الذبح فقط. فبعد التقطيع والتنظيف والتغليف، يتم توزيع اللحوم على فقراء الحرم المكي، ثم تُنقل الفوائض إلى أكثر من 25 دولة إسلامية، بالتعاون مع الجهات الخيرية والسفارات السعودية. هذه اللحوم تُقدم للمحتاجين في صورة طازجة أو مجمدة، فتصل إلى أماكن بعيدة لتغيث الجائعين وتُحيي قيم التكافل.
ومع تزايد أعداد الراغبين في أداء النسك، كثرت محاولات الاحتيال والوسطاء غير المصرح لهم. لذلك يُحذر المشروع المسلمين من التعامل مع جهات غير رسمية، ويُشجعهم على استخدام المنصة المعتمدة لضمان صحة النسك وسلامة الأنعام، والوثوق في وصول اللحوم إلى من يستحقها.
والمشروع ليس مجرد تنظيم موسمي، بل هو رسالة إنسانية. فهو يُجسد قيم الشراكة والتعاون، ويُسهم في حفظ نظافة المشاعر المقدسة، ويمنع التكدس العشوائي، ويُوفر آلاف الفرص الموسمية للشباب السعودي، ويمد يد العطاء للمحتاجين حول العالم.
ويعمل المشروع تحت مظلة البنك الإسلامي للتنمية، وبشراكة فاعلة مع وزارات الداخلية، الحج، المالية، البيئة، الموارد البشرية، الشؤون الإسلامية، وأمانة العاصمة المقدسة. هذا التناغم بين الجهات يُعزز نجاح المشروع ويُرسخ مكانته كأحد أنجح النماذج الإدارية في العالم الإسلامي.
عموما مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي ليس مجرد منظومة ذبح، بل هو قصة عطاء، ومثال حي على كيف يمكن للإدارة والتقنية والقيم الإسلامية أن تجتمع في خدمة الحاج والمحتاج معًا. إنها صورة مشرقة من صور العمل الخيري المُنظم… من قلب مكة إلى آفاق العالم الإسلامي.





