في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتضج ساحاته بالصراعات، تبرز مشاهد الحج كاستثناء سنوي مذهل. آلاف الحافلات، ملايين الأقدام، دعوات بالملايين، وصفر حوادث فوضوية. هذا ما حدث في حج 1446هـ. نجاح يتجاوز البروتوكول ويكتب قصيدة فخر على صفحات الإنجاز.
كثيرون اعتادوا القول إن "نجاح الحج عادة سعودية"، لكن الحقيقة هذا العام تقول: نجاح الحج أصبح لغة سعودية جديدة تُترجم الإدارة والرحمة والذكاء الاصطناعي في آنٍ واحد.
لم تكن المشاعر المقدسة هذه المرة مجرد مواقع جغرافية، بل مشاهد سينمائية حقيقية: ممرات منظمة، قطارات دقيقة، وحشود تُنقل كما لو كانت نغمًا مكتوبًا على سُلّمٍ موسيقيّ لا يُخطئ نغمة. حتى البطاقات الإلكترونية للحجاج لم تكن مجرد أداة، بل عقلًا ذكيًّا كان يقرأ الزحام قبل أن يحدث، ويعالجه قبل أن يُلاحَظ.
الأمن كان حارسًا خفيًا... لا يُرى، لكنه يُشعَر. لا صخب، لا افتراش، ولا تسلُّل لموسم بلا تصريح. هيبة النظام لم تأتِ بالعنف، بل حضرت بهدوء يشبه هيبة الكعبة ذاتها.
الأكثر لفتًا للانتباه أن النجاح لم يكن أمنيًا أو لوجستيًا فحسب، بل كان أيضًا اجتماعيًا. لم نسمع شكوى واحدة من سوء تنظيم، ولم نشهد صورًا تُحرج المعنيين كما يحدث في مواسم كبرى حول العالم. بدلًا من ذلك، شاهدنا دعوات من الحجاج بكل لهجات الأرض، وألسنة تمدح المملكة من جاكرتا حتى نيجيريا.
ومن خارج المملكة، لم تكن الإشادات مجاملة سياسية، بل اعترافات بإنجاز لا يُمكن إنكاره. من منظمات دولية وكل الدول العربية، أجمعت على أن ما حدث في حج هذا العام هو "فن إدارة الحشود".
وهنا لا بد أن نقول: ما تفعله المملكة في الحج لا يصب فقط في رصيدها المحلي، بل في رصيد إنساني عالمي. ففي كل حاجٍّ يعود إلى بلده وهو يقول: "وجدت في مكة نظامًا ورحمة"، تُستعاد صورة الإسلام الحقيقي. نجاح حج 1446هـ ليس مجرد خبر نُقل، بل درس يجب أن يُدرَّس.





