قال تعالى:“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” (سورة ق، الآية 16)
في هذه الآية العميقة تذكير بأن الله خلقنا وهو يعلم ما يدور في داخلنا من أفكار وهمسات وأحاسيس، وأنه أقرب إلينا من أي شيء، حتى من حبل الوريد الذي هو شريان الحياة.
هذا القرب الإلهي لا ينقطع، وهو صوت الفطرة الذي يسكن داخلنا، ذلك النداء الذي لا يهدأ مهما تاهنا في الحياة أو تأخرنا في العودة.
كلما هدأ صخب الحياة، وخلوت بنفسي، أسمع صوتًا بداخلي لا يشبه أي صوت، ليس ضميرًا يوبخني، ولا عقلًا يحاسبني، بل هو أقرب لنداء فطري ناعم…
يُذكرني بالله، ويأخذني نحو فكرة: أني خُلقت لشيء أعظم من الركض اليومي، ومن التعود على التأجيل، لكني، مثل كثيرين، أؤجل القرب ، أعيش حياة مزدحمة بالمهام، مضغوطة بالقلق، مشغولة بالواجبات… وأقول: “سأبدأ غدًا”.
غدًا سأُصلي بخشوع، سأُعيد علاقتي مع الله، سأكون أفضل، لكني أستيقظ كل يوم على نفسي القديمة، ونفس المسافة بيني وبين ما أتمنى.
هذا التراخي ليس ضعفًا دائمًا، لكنه في أحيان كثيرة نتيجة لتراكم التعب، وضغط الأيام، وإحساس داخلي بأننا لا نملك وقتًا لأن نُرمم أرواحنا.
لكن الحقيقة؟ أن العودة لله لا تُعيق الحياة… بل تهبها معناها، الإيمان لا يعني الاعتزال، ولا يعني أن نصبح مثاليين، بل أن نعيش بسلام مع أنفسنا، وسط هذه الحياة المتسارعة، بثبات داخلي، واتصال صادق بمن خلقنا.
أكتب هذا لأني أعرف أن كثيرًا مثل حالتي:يشتاقون للطريق المستقيم، لكنهم يشعرون بالذنب لأنهم بعيدون ، يحترقون برغبة العودة، لكنهم لا يعرفون من أين يبدؤون، وأنا أقول لنفسي قبلهم: البداية لا تحتاج ثورة.
تحتاج فقط خطوة… صغيرة، صادقة، مهما كانت متأخرة، الفطرة التي تُقلقنا في صمت، هي نعمة لا عقوبة ، وكل صوت داخلي يوقظ فينا الحنين للإيمان… هو دليل على أن أرواحنا ما زالت بخير.
ما زال بإمكاننا أن نُصغي لها ، أن نُوازن بين مسؤولياتنا وطهارة قلوبنا ، أن نؤمن بالله ونحن نعيش، ننجح، نُربي، ونُحب.
الصراع لن ينتهي… لكنه يصبح أخف حين نختار أن لا نخذل أنفسنا





