حين هممتُ بالذهاب إلى مدينة الداخلة، الواقعة في جنوب المغرب وعلى مقربة من الأراضي الموريتانية، كنت أظن أنني سأصل إلى مدينة صحراوية تقليدية، تجمع بين رمال البادية وبعض ملامح العمران الساحلي.
لكن الواقع فاق كل التوقعات، وكانت الدهشة العنوان الأول منذ اللحظة الأولى.
الداخلة جهة وادي الذهب ، تلك المدينة المغربية، كشفت لي عن وجهٍ آخر للصحراء… وجهٌ ينبض بالحياة، ويزهو بالجمال، ويتنفس من نسيم المحيط وسكون الوادي.
لم تكن دهشتي فقط من جمال المكان، بل من رقيّ التفاصيل… من البنية التحتية الحديثة، إلى النظافة وتنظيم المرافق، ودفء الناس ،وبشاشة، وجوههم. كل شيء في (الداخلة) يهمس لك بأنك لست ضيفًا… بل أحد أبنائها العائدين بعد غياب.
استُقبلنا بحفاوة لا توصف، ضيافة مغربية أصيلة، تُشعرك بأنك بين أهلك وربعك، وليس في مدينة تزورها للمرة الأولى. وأقولها صادقا : "كأنهم يعرفونني من قبل!"… فالمشهد يؤكد بانهم يطبقون مقولة : "لَقِيني ولا تغدّيني".
رافقتنا السعادة منذو وصولنا، لان عنوانها ظهور الشهم الكريم ابن الداخلة الأصيل الزميل العزيز السيد بلال صامبا ، الذي يتميز بابتسامته العريضة التي تسبق كلماته، وبفرحته التي لا تخفى وهو يستقبلنا في تلك المدينة الحالمة، التي تعيش بين البحر والصحراء، بين المحيط والوادي، وكأنها تحرس الجمال من كل الجهات.
في الداخلة، لم أشعر فقط بالدهشة… بل غمرتني السكينة، ولامس قلبي دفء غريب، وراحة بال لم أعرفها منذ زمن. ساعات قليلة كانت كفيلة بأن تغير نظرتي، وتزرع في داخلي مشاعر عميقة. وجدتني أقول في نفسي: "لو خُيّرت، لقضيت ما تبقى من عمري هنا، بين أناس طيبين، في مدينة باتت تزاحم أجمل الأماكن التي عشتها وزرتها."
وعلى هامش حضوري لإحدى المناسبات الوطنية الكبرى الخاصة بالأطفال والشباب، سعدت بلقاء مسؤول رفيع المستوى، رئيس مجلس إدارة جهة الداخلة وادي الذهب الفاضل (الخطاط ينجا) ، الذي جمعتني به لحظات بسيطة، لكنها كافية لألمس تواضعه الجم، ورحابة صدره، وأدبه الرفيع. وهذا ليس بغريب على أبناء المغرب، الذين يجمعون بين الأصالة، والكرم، والروح الطيبة.
الداخلة… مدينة لا تُنسى، وإن زرتها مرة، اشتقت لها مرات. مدينة تهمس لك من أول لحظة: "أنت في وطنٍ يحتضنك، حتى لو كنت ضيفًا."
ـــــــــــــــ
رئيس التحرير





