شهدت الساحة الكشفية في العالم العربي مؤخرًا توجّهًا لافتًا نحو ما بات يُعرف بـ"السياحة الكشفية"، وهو توجّه جديد وواعد يهدف إلى تجديد شكل البرامج الكشفية، والخروج بها من النمط التقليدي الذي لم يعد يستهوي الأجيال الجديدة، إلى مساحات أكثر جذبًا ومتعة.
والسبب واضح كثير من الشباب بدأ ينصرف عن النشاط الكشفي، ليس لعدم حبّه له، بل لأن شكل الأنشطة القديمة لم يعد يناسب إيقاع الحياة الحديثة. فمن الصعب اليوم أن تطلب من شاب يعيش حياة مريحة أن يتخلى عنها لأيام أو أسابيع، لينام في خيمة وسط الصحراء، ويخضع لنظام صارم يبدأ بتفتيش صباحي وينتهي بعقوبات تربوية، بينما الخيارات أمامه كثيرة والمغريات لا تُعدّ.
نحن لا ننتقد التجربة الكشفية التقليدية، بل نحترمها ونفخر بها، فهي صنعت أجيالًا من القادة، وأنا أحد من تربى فيها، لكننا بحاجة إلى إعادة النظر في أسلوب التقديم والتفاعل، مع الحفاظ على جوهر القيم الكشفية.
انا الان شاهدًا على هذا التحول خلال مشاركتي هذه الأيام في المخيم الكشفي الدولي بمدينة الداخلة ، المخيم نُظّم بروح "السياحة الكشفية"؛ برنامج غني بالأنشطة الممتعة، من السباحة والألعاب المائية إلى الجولات الصحراوية، ومن جلسات الشطرنج إلى الأحاديث الجماعية حول مائدة الطعام.
ما لاحظته لم يكن فقط الحماس، بل الرغبة الحقيقية في الانتماء ، رأيت شبابًا وكشافةً وقادةً من بلدان عدة يقبلون على الفعاليات بقلوب منفتحة، يعتزون بزيهم، يحترمون النظام، ويستمتعون بكل لحظة، لأن البرنامج منحهم تجربة مختلفة دون أن يفقدهم روح الانضباط والانتماء.
كلمة "سياحة" هنا ليست خروجا عن الأصل، بل تطويرٌ للأداة والوسيلة. الكشاف لا يزال هو الكشاف، لكن بدلاً من تقديم نشاط جامد وسط بيئة قاسية، نوفر له أجواء جاذبة، تغرس في نفسه الحب والانتماء والالتزام... دون أن يشعر أنه يُعاقب على حبّه للكشفية.
السياحة الكشفية ليست مجرد نشاط، بل فلسفة جديدة في تقديم الكشفية بأسلوب يناسب العصر ، شرط نجاحها أن تظل أمينة لروح الكشفية، وتحافظ على النظام، والزي، والقيم، والهدف. عندها فقط، ستكون الصورة القادمة للكشافة أكثر إشراقًا، وأكثر قدرة على البقاء في وجدان الجيل الجديد.
ولأهالي الداخلة عمومًا، ولقادة المخيم خاصة، دَور كبير في تحويل هذا البرنامج الأنيق إلى شعور عميق ، فقد استقبلونا بكل حفاوة وود، ووضعوا برنامجًا حافلًا ومتنوعًا، اختاروا له المكان بعناية، ونفّذوه بقدر عالٍ من الحرص والاهتمام.
كل هذه التفاصيل مجتمعة، من التنظيم الراقي إلى الروح الطيبة، جعلت من تجربتنا في مخيم الداخلة الكشفي الدولي تجربة ناجحة بكل المقاييس، ومصدر فخر لكل من شارك فيها.
شكرًا للجميع... على ما قدموه من حسن الاستقبال، وروعة البرنامج، وصدق الانتماء للكشفية.
ــــــــــــ
*رائد كشفي ومرشد سياحي





