لم تعد الأمومة كما كانت في السابق. في الماضي، كانت الأم تربي، وربما يشاركها المحيط القريب إذا رغبت بذلك. أما اليوم، فالعالم كله بات شريكاً في تربية الأبناء، شئنا أم أبينا. شاشة صغيرة تحمل بين طياتها عالماً واسعاً يفتح أبوابه للأطفال دون إذن، فيدخلونه وهم لا يملكون بعد أدوات الفهم أو القدرة على التمييز.
تعاني كثير من الأمهات اليوم من مشاكل متنوعة مع أبنائهن: سلوكيات خارجة عن السيطرة، فجوات في التواصل، أو حتى شعور بالعجز عن التأثير في حياة الطفل كما في السابق. لم تعد السلطة وحدها كافية، ولم يعد الصوت المرتفع أو العقاب المجرد من الفهم يجدي نفعاً. نحن أمام جيل جديد، يتنفس التكنولوجيا، ويأخذ من العالم الافتراضي قدوة، وربما معنى للحياة، أحياناً أكثر من البيئة الحقيقية.
في حديثها لـ”سكاي نيوز عربية”، قالت المستشارة التربوية صفدي:
“في السابق كنا نقول الأم وحدها تربي، أما الآن فالعالم كله يربي مع الأم”.
وهنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف تظل الأم ذات تأثير رغم كل هذا الضجيج الرقمي؟
البعض من الأمهات، بدافع الإرهاق أو قلة المعرفة، يسلّمن هذا الدور للتكنولوجيا، فيصبح الطفل ضيفاً دائماً على منصات لا يفرق فيها بين الصواب والخطأ. الإدمان على الإنترنت، والعلاقات غير المناسبة، والعزلة الاجتماعية… كلها نتائج محتملة لهذا الإهمال غير المقصود.
لكن في المقابل، هناك أمهات اتخذن موقفاً مختلفاً، أكثر وعياً ومنطقية. فهنّ لا يمنعن التكنولوجيا، بل يقدمنها كأداة مفيدة تحت مظلة من الرقابة والتوجيه. يتابعن ما يشاهده الطفل، يعرفن من يتفاعل معه، ويستخدمن تلك اللحظات كفرص للحوار وليس للمنع.
لقد تغير الزمن، وتغيّر معه مفهوم التربية. لم يعد أمام الأم إلا أن تتطور، أن تنتقل من موقع “المراقِبة” إلى “الصديقة الحكيمة”، من مصدر الأوامر إلى مصدر الإلهام. الطفل في هذا العصر يحتاج إلى من يفهمه، لا فقط من يوجهه. إلى من يشاركه الحوار، لا من يفرض عليه الصمت.
إن التحدي الأكبر للأم اليوم ليس فقط في حماية ابنها من العالم، بل في تعليمه كيف يواجه العالم بثقة، ويعيش وسطه بتوازن. الأم الناجحة ليست التي تمنع، بل التي تمنح: الأمان، والوقت، والوعي، والحب المشروط بالفهم.
في الختام
لكل زمان تربيته، ولكل جيل لغته الخاصة. لكن يبقى الثابت أن الأم، بحكمتها وصبرها، قادرة على أن تكون النور الذي يهتدي به الأبناء، مهما اشتدت ظلمة هذا الفضاء الرقمي.
يا من تحت قدميك جنتي: أعذريني أن قصّرت يوماً. ( رحمة الله عليك يا أمي)





