في خاصرة الجنوب الطائفي، وعلى جبين السحاب الوارف، ترقد محافظة ميسان كجوهرة نائمة، تتنفس الضباب، وتغتسل بندى الجبال، وتنتظر أن تُستيقظ من غفوة الركود
ميسان ليست مجرد أرض، بل حكاية.
ليست مجرد موقع، بل ذاكرة، وهوية، وإرث متجذر في الأرض والوجدان.
من غابات ثقيف إلى أعالي جبل إبراهيم وبني مالك ومن قمم بني سعد إلى سهول أبو راكة. فبينما ترتفع القمم ويهب النسيم العليل، تستقر قرى تتكئ على التاريخ، وتحلم بالسياح كما يحلم العطشان بقطرة ماء.
ورغم ما تمتلكه ميسان من مؤهلات طبيعية، وأجواء معتدلة في عزّ القيظ، وتنوع جغرافي ساحر، إلا أن أرقام السياحة فيها لا تعكس هذا الثراء.. وكأنها مغيبة سياحيا مقارنة بالمناطق والمحافظات الأخرى..
أما مساهمتها في الناتج السياحي لمنطقة مكة المكرمة فتبقى ضئيلة، لا تتعدى 2.1%، رغم اتساع رقعتها وتنوع مناخها وتضاريسها.
والسبب؟
بنية تحتية لم تكتمل، وطرق لا تزال تنتظر الحلم من ربط تهامة بالحجاز وخدمات تفتقر للحداثة، وتسويق سياحي لا يزال صوته خافتًا، كأن ميسان تُنادى بنداء لا يُسمع.
يقول أحد المهتمين بالمنطقة /
"نحن لا نحتاج فنادق من زجاج، نحتاج عينًا ترى، وأذنًا تسمع، ويدًا تبني بسواعد أبناء الجبل."
ورغم ذلك، فإن المأمول أكبر من الواقع، وأجمل من الصورة الحالية.
المأمول أن تُدرج ميسان ضمن خارطة الفعاليات الكبرى، وأن تحتضن مهرجانات تليق بموروثها الشعبي، وأسواقها التقليدية، ومزارعها المترامية على السفوح.
المأمول أن تُستثمر أكثر من ٤٠٠ مزرعة لمختلف المنتوجات الزراعية الفريدة كالعنب والرمان، والبرشومي والخضار بشتى انواعها والعسل والورد الفريد وتُحوّل إلى وجهات زراعية وسياحية تُدهش الزائر، وتُنعش اقتصاد الأسرة المحلية.
ولِم لا؟
وميسان تملك أكثر من ١٠٠ قرية جبلية، تحكي كل منها قصة، وتردد بين جدرانها أناشيد الزمن الجميل.
مناخها المتنوع، من دفء "أبو راكة والصور " إلى نسمات "بني سعد والحدب وقها " الباردة، يمنحها قدرة استثنائية على احتضان السياحة البيئية، والمغامرات الجبلية، وحتى السياحة الثقافية.
ومَن قال إن السياحة تعني أبراجًا تُشيّد؟
السياحة روح، وذاكرة، وتجربة.
السياحة أن تمشي على طرق أجدادك، وتتناول ثمرًا من مزرعة عمرها قرون، وتستمع لحكاية على ضوء القمر في ساحة بيتٍ طيني.
وكما يقال :
"السياحة ليست ترفًا، بل استثمار في الهوية، وتكريس للمكان كحكاية تستحق أن تُروى."..
ولإن المسؤلين بالمحافظة لم يألوا جهدا في انجاح بادرة الصيف بالمتلقى وصيف ميسان إلا أن الواقع يحتاج جهودا أكبر من صناع القرار والمهتمين بالسياحة والتراث والثقافة لمحافظة أكاد أجزم متى مااكتملت عناصرها ستكون وجهه للعرب قاطبة كون موقعها الاستراتيجي بين الجنوب والطائف وتهامة والساحل يجعلها تنافس السياحة العالمية .
فلتُروَ حكاية ميسان.
ولتُكتب على صفحات الوطن، لا في الهامش، بل في العنوان.





