في قلب المشهد الرياضي العربي، كان حلمٌ يتشكل بصمت، حلمٌ بأن تصبح ألعاب القوى العربية منارة للتميز، لا مجرد حضور رمزي في البطولات العالمية ، ومن بين هذا الحلم، بزغ الاتحاد العربي لألعاب القوى كقصة نجاح تُروى فصولها بشغف وإصرار.
بدأت الحكاية من اهتمام حقيقي بالفئات العمرية الصغيرة. لم يكن الأمر مجرد تنظيم بطولات، بل كان أشبه بزرع بذور في أرض خصبة. منذ انطلاق البطولات العربية للناشئين والناشئات عام 2004، والتي احتضنتها مدن وعواصم عربية مختلفة، تحولت هذه الفعاليات إلى مهرجانات رياضية للمواهب، حيث اجتمع الصغار من أنحاء الوطن العربي، يحملون في أعينهم بريق الطموح، وعلى أكتافهم أحلام أوطانهم.
في تلك البطولات، لم يكن الفوز هو الغاية الوحيدة. كان الهدف أعمق من ذلك اكتشاف الموهبة، صقلها، وتقديمها للعالم ، والمدربون الذين أشرفوا على هؤلاء الناشئين لم يكونوا مجرد مدربين، بل كانوا صنّاع نجوم، يعملون بصبر وتفانٍ، مؤمنين بأن كل خطوة على المضمار قد تكون بداية لمجد رياضي.
ومع مرور السنوات، بدأت ثمار هذه الجهود تتضح ، أسماء عربية بدأت تلمع في البطولات الآسيوية والأفريقية، وبعضها وصل إلى الأولمبياد، يحمل راية بلاده، ويصعد منصات التتويج. لم يكن ذلك وليد الصدفة، بل نتيجة لرؤية استراتيجية تبناها الاتحاد، تقوم على بناء قاعدة قوية من الناشئين، وتوفير بيئة تدريبية متكاملة، ودعم الاتحادات المحلية لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات.
ومن بين هؤلاء الأبطال،مثالا لا حصرُا ، يبرز اسم العداء المغربي سفيان البقالي، الذي أصبح رمزًا للإصرار والعزيمة. بعد محاولات متكررة لاعتلاء منصات التتويج، جاء أولمبياد طوكيو 2021 ليعلن عن ميلاد بطل أولمبي عربي جديد في سباق 3000 متر موانع، ثم أكد تفوقه بذهبية بطولة العالم 2023، ليُسجل اسمه بين أعظم العدائين في تاريخ المغرب.
ويأتي معتز برشم، الواثب القطري الذي حلق ببلاده إلى المجد. في عالم الوثب العالي، لا يكفي أن تقفز، بل يجب أن تطير، وهذا ما فعله برشم. من ذهبية بطولة العالم 2017 و2019 إلى ذهبية أولمبياد طوكيو، لم يكن مجرد رياضي، بل سفيرًا للروح الرياضية، حين تقاسم الذهب مع منافسه الإيطالي في لحظة إنسانية ستظل خالدة في ذاكرة الرياضة العالمية.
وبعد سنوات من هيمنة الرجال على سباقات الماراثون، جاءت العداءة المغربية فاطمة الزهراء كردادي لتعيد للمغرب مجده في سباقات التحمل. برونزيتها في بطولة العالم 2023 لم تكن مجرد ميدالية، بل كانت إعلانًا عن عودة المرأة المغربية إلى الصفوف الأولى عالميًا، وإثباتًا لقدرتها على المنافسة في أصعب المسافات.
هذه الإنجازات لم تكن فردية، بل جزء من نهضة عربية شاملة في ألعاب القوى. من قطر إلى المغرب، ومن البحرين إلى الجزائر، تتشكل خارطة جديدة للرياضة العربية، حيث لم تعد المشاركة مجرد تمثيل، بل أصبحت منافسة حقيقية على الذهب.
هؤلاء الأبطال لم يركضوا فقط على المضمار، بل ركضوا في قلوب الجماهير، وأثبتوا أن الطموح العربي لا يعرف حدودًا، وأن الرمال التي نشأوا عليها يمكن أن تكون منصة انطلاق نحو المجد العالمي.
لكن القصة لا تنتهي هنا. الاتحاد العربي لألعاب القوى لا يرى الرياضة مجرد سباق أو قفزة، بل مشروعًا حضاريًا متكاملًا. رؤيته تتجاوز حدود المضمار، لتشمل تعزيز الهوية والانتماء، ونشر ثقافة الرياضة كأسلوب حياة، ودعم مشاركة المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، في بيئة آمنة وصحية.
وهكذا، بين كل بطولة وأخرى، وبين كل رقم قياسي يُسجل، وبين كل علم يُرفع على منصة التتويج، تستمر قصة الاتحاد العربي لألعاب القوى… قصة شغف، ورؤية، ونجوم تُولد من رحم الطموح العربي ، وهو الذي يحفظ ماء وجه الرياضية العربية في المحافل دائما ، هذا علمي وسلامتكم





