شت اليوم زمنين متشابهين في الشعور؛ لكنهما مختلفان في المضمون! فمع نسمات صباح الفجر الباكر تأهبتُ للذهاب إلى المدرسة، وبيدي بعض (الشكولا)، وضعتها على بطاقات مكتوب عليها عبارات وحكم صينية مترجمة للعربية، وهي مزدانةٌ بصور ورسومات صينية أيضًا.
وعند قدومي رأيت المعلمات والإداريات يتجهزن للقاءِ معلمة اللغة الصينية بكل حماس، وألفيتُ كلَّ واحدةٍ منهنَّ تشير على صاحبتها بعبارات قد حفظتها للترحيب بها، وسمعتُ إحداهن تقول: لا بأس علينا من البداية بالسلام، فلنسمعها تحيتنا!
شعرت وكأن الزمن يعاود أدراجه بي لسنوات عده، لم يكن فيها مدارس ولا معلمون، كأنما عاودني شعور قديم؛ إنه شعور آبائنا وأجدادنا عندما شيدت المدارس، وبدأوا مسيرتهم التعليمية؛ ولعل شعوري عندما رأيت معلمة اللغة الصينية وهي تنضم لفريقنا أشبه ما يكون بشعورهم آنذاك!!
ما نراه اليوم جديدًا سيصبح مجرد ذكرى للأجيال القادمة، ذكرى يسترجعون أحداثها، ويشعرون بالحنين إلى الماضي وهم يتحدثون عنها.
الجميع في ذهول وفرحة ودهشه وحماس لاستقبال تلك المعلمة، وعندما قَدِمَتْ علا هتاف الطالبات: «... المعلمة الصينية قدمت، المعلمة الصينية قدمت..».
بدت وهي تتلفت يمينًا ويسارًا، يعلو وجهها الفرحة بحفاوة الاستقبال، ولا أخفيكم: كانت هي أيضًا مضطربة المشاعر، فهي غريبة عن المكان! أما انا فكنت في أشد ما يكون المرء عليه من الدهشة، كنت مدهوشةً من دهشة الطالبات؛ فعندما ألقت عليهنَّ التحية: «ني هاو» رحن يرددن معها: «ني هاو، ني هاو»، وكنَّ في سعادة غامرة!
لم تكن الفرحة مرتهنةً بالطالبات دون سواهنّ؛ وإنما سرت الفرحة إلى الجميع، وشملت الإدارة
والمعلمات. أخذت مديرة المدرسة مكبّر الصوت، ومَضَتْ تهنئ الطالبات بقدوم المعلمة، والفرحة في عينيها تسبق كلماتها.
ما هذا الشي العجيب!!! لم يدر في خلدنا ذات يوم أن في يكون وسعنا تَعَلُّم اللغة الصينية، وممن نتعلمها؟ من الصينين أنفسهم؟ منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع المثل «اطلب العلم ولو في الصين»، وها قد أصبح المثل حقيقةً؛ على أنّ الصين – نفسها – قد أصبحت على قاب قوسين منَّا أو أدني!
لقد جعلت حكومتنا كلَّ مستحيل حقيقةً، والحق أقول: لا مستحيل في قاموسنا؛ فنحن شعب نحلم ونحقق، لنا رؤية غرسناها في قلوبنا، وها هي قد أزهرت، وأينعت، وطاولت القمم، وراحت تؤتي ثمارها الثريّة.





