بعد منتصف شهرنا الجاري (أكتوبر 2025م)، هناك حدث مهم في دولة الكويت الحبيبة أطلقه وينفذه الاتحاد الكشفي للبرلمانيين العرب تحت عنوان يُصنَّف في خانة العناوين المثيرة والمشوقة: "الحركة الكشفية.. لمن؟ ولماذا؟ وإلى أين؟"، وهو عنوان يُعد واحداً من أنضج وأعمق العناوين التي يمكن أن تُطرح في هذه المرحلة بالنسبة للكشفية العربية، إذ يلامس جوهر الحركة، ويعيد فتح باب الأسئلة الكبرى التي كثيراً ما نتجنب مواجهتها بصدق ووضوح.
إن قيمة هذا العنوان يكمن في كونه دعوة للتأمل وإعادة التقييم، ليس بهدف النقد وحده، بل من أجل التجديد والانطلاق نحو مستقبل أوضح وأرحب وملامس للواقع .
واجابة على سؤال "لمن؟" فهي ليست حكراً على فئة عمرية محدودة أو طبقة اجتماعية معينة، بل هي في الأصل حركة تربوية شبابية عالمية موجهة لكل ناشئ وشاب، وتمتد حتى مرحلة الرواد، بلا تمييز في الأصل أو اللون أو العقيدة ، وهي مدرسة يتعلم فيها الفرد كيف يكون إنساناً فاعلاً، متوازناً بين حقوقه وواجباته، محباً لوطنه، منفتحاً على العالم، ومحافظاً على القيم الإنسانية المشتركة.
والسؤال "لماذا؟" هو في جوهره الاستفهام عن الهوية والغاية، والجواب في -رأي- أن الكشفية وُجدت لتسد فجوة في التربية التقليدية، فهي لا تكتفي بالمعرفة النظرية، بل تربي بالعمل والممارسة والتجربة المباشرة ، وهي وسيلة لإعداد مواطن مسؤول، قائد في خدمة مجتمعه، مدرك لقيمة العمل التطوعي، مؤمن بأن العطاء قيمة قبل أن يكون مهمة. واليوم، نحن أحوج ما نكون إلى الكشفية، لأنها تغرس الانتماء الصادق، وتبني جسور التفاهم بين الشباب في زمن تتنازعه الفردية والصراعات.
أما سؤال "إلى أين؟" فهو الأهم في زمن تتسارع فيه المتغيرات. فالكشفية أمام خيارين : إما أن تبقى حبيسة التقاليد والشكليات، أو أن تتجدد لتلبي حاجات الأجيال الجديدة ، والمستقبل الذي نطمح إليه هو كشفية أكثر تأثيراً وفاعلية، تتحول من أنشطة موسمية إلى حركة مجتمعية مستدامة، شريك حقيقي في التنمية الوطنية، ومنصة عالمية لصناعة القادة ، والاتجاه الصحيح أن تتبنى الحركة الكشفية رؤية واضحة تستند إلى: تعزيز حضورها في المدارس والجامعات والمجتمعات ، وتطوير برامجها بما يواكب تحديات العصر (الرقمنة، البيئة، ريادة الأعمال) ، وبناء شراكات فاعلة مع المؤسسات الوطنية والدولية.
واقتراح المؤتمر في حد ذاته خطوة موفقة، تعكس وعياً بضرورة العودة إلى الجذور وطرح الأسئلة الكبرى. إننا في مرحلة تتطلب إعادة صياغة رسالتنا، والتأكيد أن الكشفية ليست مجرد زي أو نشاط ترفيهي، بل هي مشروع حياة ورسالة إنسانية.
إن الإجابة عن هذه التساؤلات ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة عملية لمستقبل أكثر إشراقاً للحركة الكشفية، كي تظل وفية لشعارها الخالد: "كن مستعداً.. للحياة، للعطاء، وللغد الأفضل."
واختيار هذا العنوان لمؤتمر الكويت ليس مصادفة، بل هو خطوة واعية وحكيمة تعكس إدراكاً لحاجة المرحلة الحالية إلى إعادة طرح الأسئلة الجوهرية بجرأة وموضوعية ، فالإجابة عنها ليست ترفاً فكرياً - كما اسلفت - ، وإنما ضرورة عملية لرسم ملامح مستقبل أكثر تأثيراً وإشراقاً للحركة الكشفية العربية.
وأنا على يقين بأن لدى (المؤتمرين) .. الجواب الكافي والشافي، فهم خبراء بالشأن الكشفي وقد اختيروا بعناية فائقة … هذا علمي وسلامتكم.
ـــــــــــ
*رائد كشفي





