حين لا يُقدَّر العظماء، ويرتدي الظلم ثوب السلطة، يبقى الكبار كباراً... لأنهم ببساطة لا يُكسرون.
نعيش في هذه الحياة ملوكاً بين من يُقدّر تعبنا وجهدنا، ويرى في أبسط ما نقدمه عملاً عظيماً ومعروفاً لا يُنسى، فيُقابل الإحسان بالإحسان كما قال تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".
وعلى النقيض، نجد أحياناً أن أصحاب العطاء يقعون بين أناس ناكري جميل، ضيّقي الأفق، لا يرون أبعد من حدود أنفسهم وعظمة الكرسي الذي يجلسون عليه.
تروي "نهلة" قصتها مع أحد المدراء الذي قال لها ذات يوم، حين لاحظ مهاراتها المتعددة:
"نريد أن نستغلك في تلك الجوانب."
توقفت مدهوشة وقالت في نفسها: "أيعقل ما سمعت؟! أأنا وسيلة تُستغل لا طاقة تُقدّر؟"
ورغم ذلك، واصلت عملها بإخلاص، فكانت تنفذ كل ما يُطلب منها حتى خارج نطاق مهامها، حفاظاً على وظيفتها ومصدر رزقها. لكن مديرها كان متسلطاً، أنانياً، لا يقبل النقاش، ويعاملها بقسوة كلما حاولت إبداء رأيها.
وذات يوم، حين ردّت عليه بأدب بشأن تكليف جديد لا يدخل في مسؤولياتها، بدأ فصل جديد من فصول الظلم:
إنذارات بالتأخير رغم التزامها، وتعسّف في القرارات أمام زملائها.
وفي يوم المعلم العالمي، يوم التكريم والاعتراف بالعطاء، وجدت "نهلة" نفسها خارج دائرة التقدير. لم تُكرَّم على جهدها وتعاونها، بل فاجأها المدير بإيقافها عن العمل في قسمها وتحويلها إلى قسم آخر دون إنذار.
حينها أدركت أن رسالتها هناك قد انتهت، وأن بقاءها سيكلفها أكثر مما تستحقه الوظيفة.
قدمت استقالتها بهدوء وقالت:
"العظماء لا يُكسرون... شكراً لأنك جعلتني أقوى مما كنت."
ثم غادرت بخطى ثابتة، مرفوعة الرأس.





