في زمنٍ صار فيه الضجيج بضاعة، والسطحية تاجاً، برز جيل من "مشاهير الفلس" الذين يبيعون الوهم في قوالب مصقولة، ويتوهمون أن الضوء يمنحهم قيمة، وأن التصفيق الرقمي يكتب لهم مجداً.
تراهم يلمعون كالبالونات الملوّنة؛ براقة من بعيد، فارغة من الداخل. أصواتهم عالية، لكن صداها لا يتجاوز حدود اللحظة. يظنون أن الكثرة تعني المكانة، وأن المتابعين بديل عن الفكر، كأنما أصبحنا في عصر يقيس العمق بعدد الإعجابات، لا بعدد العقول التي أضاءها.
إنهم "مشاهير السراب".. وجوه من هواء، يركضون خلف الكاميرا كمن يطارد ظله، ويظنون أنهم يخلدون أسماءهم بينما يذوبون عند أول مطر من وعي.
ولأن المنصات اليوم بلا حارس، تفتح أبوابها لكل من يسكب عباراتٍ بلا طعم، صار التفاهة تُزيَّن على أنها إنجاز، والسذاجة تُغلف بورق فاخر. وهكذا تُبنى شهرة بلا جذور، كقصر من رمال على شاطئ ريح.
لكن للتاريخ ذاكرة صلبة.. لا يكتب إلا من ترك معنى. فهو لا يحفظ وجوهاً ملأت الأفق ضجيجاً ثم اختفت، بل يخلّد أولئك الذين تركوا كلمة تشبه النور، أو فكرة تتجاوز أعمارهم.
مشاهير الفلس مهما لمعوا، سيبقون كنجوم من كرتون، تبهرك ألوانهم لكن أول نفخة ريح تمحو وجودهم.
أما الذين يزرعون فكرة، أو يضيئون وعياً، فهم كالأشجار العميقة؛ قد لا يلمع حضورهم في كل موسم، لكن جذورهم تعانق الأرض وثمارهم تورّث الحياة.
وفي النهاية يبقى السؤال: هل نريد أن نكون أصواتاً من صدى، أم معاني من بقاء؟
هل نرضى أن نُذكر كلمعة زائفة، أم أن نُحفر في الذاكرة كأثر خالد؟





