في زمن أصبح فيه التعليم والتطوير الذاتي مفتاح النجاح، يجد كثير من الشباب الحاصلين على أعلى الشهادات وأوسع الخبرات أنفسهم خارج دائرة التوظيف.
بينما يفتح القطاع الخاص أبوابه على مصراعيها لمن هم أقل خبرة أو مؤهلًا، فقط لأنهم “أرخص تكلفة” أو “مدعومون من برامج حكومية”.
هذه الظاهرة أصبحت مصدر قلق حقيقي في المجتمع، وأثارت تساؤلات كثيرة حول عدالة سوق العمل واتجاهاته المستقبلية.
⸻
القطاع الخاص والدعم الحكومي
لا شك أن برامج الدعم مثل “هدف” و**“التوطين”** و**“التمهير”** وُجدت لتمكين الشباب ودعم توظيف السعوديين،
لكن بعض منشآت القطاع الخاص استغلت هذه البرامج لتوظيف من لا يملك مؤهلات كافية، فقط للاستفادة من الدعم المالي المؤقت، دون النظر إلى الكفاءة الحقيقية.
يقول المثل الشعبي: “ما كل من لبس العمامة صار عالِمًا” — والمقصود هنا أن ليس كل من يشغل وظيفة يكون مؤهلًا لها فعلاً.
⸻
تجاهل الكفاءات: خسارة للوطن قبل الأفراد
عندما يتم تجاهل أصحاب الشهادات العليا والخبرة الطويلة، لا يخسر الفرد فقط، بل يخسر الوطن كفاءات كان يمكن أن ترفع من جودة الإنتاج والإبداع في مؤسساته.
قال أحد الحكماء:
“ضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تُصلح نصف الفساد.”
هذه قاعدة إدارية لا تسقط قيمتها مع الزمن.
وفي المقابل، نجد من تعب سنوات في الجامعات والدراسات العليا ينتظر فرصة تناسب مؤهله، بينما تُمنح الوظائف لمن لا يملكون الحد الأدنى من المهارة.
وهذا يولّد الإحباط ويُضعف الحافز لدى الشباب المجتهد، فيتحول الطموح إلى خيبة أمل.
⸻
أمثلة واقعية
• خريجون يحملون درجات الماجستير والدكتوراه يعملون في وظائف لا تمت لتخصصاتهم بصلة.
• تُمنح مناصب إدارية أو فنية لأشخاص لا يملكون سوى شهادة الثانوية، فقط لأن رواتبهم أقل أو لأن المؤسسة مدعومة عن طريقهم.
• بعض المنشآت تفصل الموظف بعد انتهاء فترة الدعم، لتستبدله بآخر جديد “مدعوم”، وكأن الإنسان مجرد وسيلة ربح مؤقتة.
⸻
حلول مقترحة
حتى تُحل هذه الإشكالية، لا بد من:
1. مراقبة حقيقية للقطاع الخاص وضمان أن الدعم يُمنح لمن يستحقه.
2. تحفيز الشركات على توظيف الكفاءات الحقيقية بمكافآت إضافية أو إعفاءات ضريبية.
3. وضع نظام تقييم شفاف يعتمد على الأداء والخبرة لا على العمر أو التكلفة.
4. رفع وعي الشباب بحقوقهم المهنية، وتشجيعهم على المطالبة بفرص عادلة.
⸻
خاتمة
إن الشباب هم طاقة الوطن وركيزته، والعدالة في فرص العمل ليست رفاهية، بل هي أساس التنمية الحقيقية.
قال المثل العربي:
“من جدّ وجد، ومن زرع حصد.”
لكن للأسف، في واقعنا اليوم، من جدّ قد لا يجد إلا الانتظار، ومن زرع قد لا يُسمح له بالحصاد.
ولعلّ صوت الكفاءات الواعية يرتفع يومًا ليُسمع، فتعود الأمور إلى نصابها، وتُقدّر الخبرة كما يجب أن تُقدّر.
⸻
نظام التوظيف الذي يفضل أصحاب الشهادات البسيطة ويستبعد أصحاب الكفاءات أو الشهادات العليا هو أسلوب غير عادل ومدمر لمستقبل الأجيال





