لأن الإنسان ابن بيئته الأولى، فقد شاءت إرادة الله أن أنشأ في أسوان.. لؤلؤة الجنوب في مصر.. حيث رأيت وعايشت بعينيّ الأجواء السياحية الساحرة ولحظات الاستمتاع التي يشعر بها السيّاح من كافة أرجاء العالم بالآثار المبهرة وبأجواء الضيافة الأصيلة. ثم قيد الله - تعالى- لي أن أشهد تجربة والدي - أطال الله عمره- بالعمل في صناعة الضيافة - عبر قطاع الفنادق- بالمملكة العربية السعودية لأكثر من أربعين عاماً.
ومن هنا، تكونت لديّ خبرة تراكمية جيدة سمحت ليّ بإدراك وفهم هاتين الصناعتين المميزتين: السياحة على وجه العموم، والضيافة على وجه الخصوص، وهو ما يدفعنا - ابتداءً- إلى إبراز الفرق بينهما رغم الامتزاج الشديد بينهما.
وباختصار، فإن السياحة هي نشاط السفر الشامل لغرض الترفيه أو العمل، بينما تركز الضيافة على تقديم الخدمات والمرافق للضيوف مثل:الإقامة والطعام. السياحة تتضمن السفر نفسه والأنشطة في الوجهة، أما الضيافة فتعتني براحة ورضا السياح في هذه الوجهات.
إذاً.. الضيافة جزء حيوي لا يتجزأ من صناعة السياحة، فالأولى (الضيافة) لا يمكن أن تزدهر بدون الثانية (السياحة)، والعكس صحيح.
وقد لخصت "إليانور روزفلت".. سيدة أمريكا الأولى (زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت).. مفهوم الضيافة حين قالت: "الضيافة الحقيقية هي أن تُقدّم أفضل ما لديك لضيوفك".
والأمر اللافت للنظر أن صناعة الضيافة في المملكة العربية السعودية تشهد نموًا متسارعًا كجزء من "رؤية "2030"، مدفوعةً بالاستثمارات الضخمة في الفنادق والعقارات وتطوير البنية التحتية، بهدف تحويل المملكة إلى وجهة سياحية عالمية.
ويرتكز هذا النمو اللافت على المزج بين: التقاليد العريقة للضيافة السعودية - فالمملكة هي أصل وحاضنة الضيافة العربية ومضرب الأمثال في الجود والكرم-، والابتكارات الحديثة، مع التركيز على تجارب فريدة للضيوف، والشراكات الاستراتيجية في فنون الطهي، والتحول الرقمي، بالإضافة إلى الاهتمام بالسياحة المستدامة وتوطين الوظائف لزيادة مساهمة الشباب السعودي في هذا القطاع المهم.
وبلغة الأرقام.. ووفقاً لـ "قمة مستقبل الضيافة في المملكة العربية السعودية" التي عُقدت بالرياض (11 - 13 مايو 2025م)، فإن هناك خططاً طموحة لتطوير 362 ألف غرفة فندقية جديدة بحلول عام 2030م، كجزء من الخطط الطموحة لتطوير قطاع الضيافة باستثمارات تبلغ 110 مليارات دولار أمريكي.
ووفقًا لشركة (إس تي أر) - المتخصصة في بيانات وتحليلات قطاع الضيافة- فإن الغرف الفندقية في المملكة العربية السعودية حققت إيرادات كبيرة بلغت 5.6 مليار دولار أمريكي خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024م، مسجلةً زيادة بنسبة 3.5% مقارنة بعام 2023م، وارتفاعًا بنسبة 26.5% مقارنة بعام 2019م.
صناعة الضيافة - إذاً- باتت لاعباً رئيسياً ومؤثراً في سبيل تحقيق هدف غالً ترسخه "رؤية 2030" بان تكون المملكة وجهة سياحية عالمية مرموقة، وهو ما يعكسه الارتفاع المستمر في أعداد الزوار الدوليين، والذين وصل عددهم إلى 30 مليون زائر في عام 2024م، مقارنة بـ 27.4 مليون زائر في عام 2023م. ويؤكد هذا الزخم المتسارع، المدعوم باستثمارات استراتيجية واسعة النطاق، التقدم نحو تحقيق المستهدفات الطموحة للمملكة، الرامية إلى استقطاب 70 مليون زائر دولي سنوياً بحلول عام2030م.
ـــــــــــــــــ
(*) رائد أعمال





