في الكشفية، تتجسد أسمى معاني الأخوة والوفاء. لا تعرف حدودًا جغرافية، ولا تعترف باختلاف الأوطان أو اللهجات أو الألوان. فالكشاف أينما حلّ، وجد قلبًا يستقبله، وبيتًا يضمه، وابتسامة تسبقه، وفي هذا العالم الذي يموج بالتغيرات وتفتر فيه العلاقات، تبقى (الكشفية) واحةً من الوفاء، تسكن القلوب قبل الأماكن، وتبني جسورًا من المحبة تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها ، فالكشاف، أينما حلّ، لا يحتاج إلى تعريف أو توصية، يكفي أن يقول: أنا كشاف، لتفتح له القلوب قبل الأبواب، وتستقبله الأرواح قبل الأيدي.
أتذكر يوم زرت الإسكندرية، تلك المدينة التي تحمل في هوائها نكهة البحر ودفء الناس ، حين استقبلني الرائد الكشفي والرحالة المعروف محمد الكسّار استقبال الأخ لأخيه ، فهو فعلا أخًا لم تلده أمي، ورفيق دربٍ جمعني به النداء الكشفي الذي لا يصدأ مع الزمن ، تلقاني بابتسامة صافية كنسيم البحر، وبقلبٍ مفعمٍ بالعطاء. رافقني في كل خطوة، وأراني الإسكندرية كما لم أرها من قبل، بكل سحرها وتفاصيلها الصغيرة، من شواطئها الهادئة إلى أزقتها التي تعبق برائحة التاريخ.
طاف بي في شوارعها وسواحلها، ورافقني في كل خطوة بتفاصيل لا تُنسى. لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتكفّل بها بمحبةٍ خالصة، تنبع من روح كشفية صادقة، ومن قلبٍ عرف معنى العطاء بلا مقابل.
تكفّل بكل شيء — من المأكل والمشرب إلى أجمل اللحظات التي لا تُشترى — وكأنما أراد أن ينسج حولي عباءة من المودة والاهتمام ،كنت أرى في عينيه فرحًا صادقًا، وفي تصرفاته نبلًا يختصر معنى الانتماء الإنساني قبل الكشفي.
وحين عاد الزمان بدورته، وجاء (الكسّار) إلى مديني ومقر عيشي مكة المكرمة ، التي تعانق السماء بخشوعها ، شعرت أن الفرصة قد حانت لردّ جزء يسير من الجميل، رغم علمي أن من يأتي إلى هذه المدينة المقدسة، يكون شغله الشاغل هو قضاء أجمل الأوقات بين رحاب البيت العتيق، وتحت ظلال الكعبة، لا يريد هدر الثواني واللحظات ، وقضاء الساعات إلا في أروقة الحرم المكي الشريف ، لكنني أصررت بإلحاح كبيرة أن يزورني في منزلي، فلبّى الدعوة بفرحٍ غامر، وكأنها زيارة من نوعٍ خاص، زيارةُ الوفاء والمحبة المتبادلة.
قضينا ليلة عامرة بالودّ والذكريات، شاركتني فيها أسرتي بأكملها ، شعر الجميع بأن هذا الضيف ليس غريبًا، بل أحد أفراد العائلة، وأن الكشفية ليست مجرد نشاط أو شارة على الصدر، بل أسلوب حياة يجمع القلوب ويؤلف بين النفوس.
هذا الليلة علمتني درسًا لا يُنسى ، أن الكشاف، حقًا، له في كل بلد بيت، وفي كل قرية أهل، وفي كل قلب مكان ، وفي كل روحٍ أخ ينتظره بابتسامة لا تعرف الغياب ، وأدركت أن الكشفية ليست مجرد زيٍ أو شعار، بل رسالة قلبية، تربط بين الناس بخيوط من النقاء والإيثار ، هذا علمي وسلامتكم
ـــــــــــــــــــ
للتواصل :
pv03025@
m_abulouy@yahoo.com





