في قديم الزمان، حين كانت القوافل تشقّ الصحاري حاملةً خيوط الحرير من الشرق، ونقوش الفخار من الجنوب، وأخشاب السفن من السواحل البعيدة… كان الحرفيون هم حُرّاس الجمال، ينسجون قصص الأمم بأيديهم قبل أن تُكتب في الكتب.
يُروى أن شيخًا من شيوخ الحِرَف، كان يُدعى بنان، جاب البلدان باحثًا عن سرّ الفن. تعلّم من كل حضارة لونًا، ومن كل شعب حرفة، حتى صارت أصابعه تتقن ما لا يُتقنه كثيرون. وحين عاد إلى شبه الجزيرة، قال قولته الشهيرة:
“الحرفة لغة الشعوب… ومن عرفها، عرف العالم.”
مرّت قرون، وتغيّر وجه الحياة، لكن الحكايات القديمة بقيت تنتظر لحظة بعثٍ جديدة.
وفي الرياض اليوم…
حين تجتمع دول العالم تحت سقف واحد في معرض بنان الدولي، يعود صدى تلك الحكايات من الماضي ليحكي للحاضر.
هنا تقف الحِرَف العريقة جنبًا إلى جنب — نقش مغربي، تطريز فلسطيني، سيوف هندية، خشب تونسي، سيراميك إيطالي، ألوان من اليابان، ونحاس من مصر.
كل جناح هو سفارة للفن، وكل قطعة تحكي قصة وطن.
الزائرون لا يمرّون بين الأكشاك فقط…
بل يمرّون بين الأزمنة:
من نار الأفران القديمة، إلى وهج المصابيح الحديثة.
من القلم المصنوع يدويًا، إلى المعروضات الرقمية التي تحفظ التراث بأساليب المستقبل.
وفي أروقة المعرض، يقف طفل سعودي صغير أمام أحد الحرفيين الأجانب، يراقب كيف تُشكَّل قطعة خشب بفنٍ عجيب.
يسأله:
“كيف تتقن هذا؟”
فيبتسم الحرفي ويقول:
“نحن نكمّل ما بدأه أجدادكم… وما بدأه أجداد كل الشعوب. الحرفة لا تموت، بل تسافر.”
وهكذا يصبح معرض بنان الدولي أكثر من مجرد حدث…
إنه جسر من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل.
مكان تجتمع فيه الثقافات لا لتتنافس، بل لتتحد تحت راية الإبداع الإنساني الذي لا يعرف حدودًا ولا خرائط
سعدتُ بكوني من ضمن المشاركين مع هيئة التراث في معرض بنان بمنطقة الباحة.





