تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله-، اُختتمت مؤخراً فعاليات النسخة الخامسة من مؤتمر ومعرض الحج 1447هـ، الذي نظمته وزارة الحج والعمرة بالتعاون مع برنامج خدمة ضيوف الرحمن (أحد برامج "رؤية المملكة 2030")، وذلك خلال الفترة من (9-12) نوفمبر الجاري بـ "جدة سوبردوم"، تحت شعار "من مكة إلى العالم"، وهو المعرض الذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة.
وقد تألقت "مكة المكرمة" - عبر العديد من الجهات والهيئات- في المعرض بشكل لافت للنظر، ولنبدأ بإمارة منطقة مكة المكرمة التي شاركت في المعرض ضمن جناح وزارة الداخلية، حيث قدم الجناح - بمواد مصورة وأمثلة حية- نبذةً عن أعمال وجهود الإمارة في موسمي الحج والعمرة، ومن أبرزها الجولات الميدانية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز.. مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الدائمة للحج والعمرة، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز.. نائب أمير المنطقة، في المشاعر المقدسة قبل موسم الحج، للوقوف على جاهزية الجهات والمرافق لاستقبال الحجيج، يسبقها عقد اجتماعات دورية بحضور أعضاء اللجنة الدائمة لمناقشة الخطط والاستعداد المبكر لموسم الحج والاطلاع على ما نُفِّذ من أعمال فيما يخص العمرة.
وقد مُنح الزوار فرصة للتعرُّف على البرامج والمبادرات التي تُشرف عليها، وتنفذها الإمارة خلال موسمي الحج والعمرة، ومن أبرزها حملة الحج عبادة وسلوك حضاري، التي انطلقت قبل نحو 17 عامًا بالشراكة مع الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن، وتهدف إلى تعزيز الالتزام بالأنظمة لدى الحجاج وتوعيتهم بأهمية السلوك الحضاري وتفادي الوقوع في المخالفات أثناء أداء المناسك، وإبراز الجانب الحضاري في أداء المناسك لضمان أمن وسلامة الحجيج.
كما قدم الجناح تفصيلًا عن جهود لجنة السقاية والرفادة بالإمارة، في التنظيم والإشراف على تقديم خدمات إمداد ضيوف الرحمن بالوجبات، والمياه، والعصائر، والمُثلجات، والفواكه، والتمور، والمظلات وغيرها على ضيوف الرحمن خلال موسمي الحج والعمرة، وتتولى لجنة تراخيص مباني إسكان الحجاج بمكة المكرمة التابعة للإمارة إصدار تصاريح التسكين، والقيام بجولات ميدانية للتأكد من تطبيق الاشتراطات اللازمة في المرافق، فيما تتابع لجان وفرق المتابعة الميدانية لموسم الحج التي تضم في عضويتها الجهات الخدمية المعنية بخدمة ضيوف الرحمن، الأداء والأعمال، للتأكد من تنفيذ الخطط وانسيابية الأعمال وسيرها على الوجه الأكمل، بما يضمن تقديم جميع التسهيلات والخدمات اللازمة لضيوف الرحمن.
وقد أتت مشاركة الإمارة في المعرض لتعكس حرصها على تطوير الأداء وعملها المستمر لتعزيز التكامل بين القطاعات، وتضافر جهودها تحقيقًا لتطلعات القيادة الرشيدة -أيدها الله- لتهيئة السُبل وخدمة قاصدي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، وبما يتوافق مع "رؤية 2030" لرفع مستوى جودة الخدمات المقدمة لهم قبل وأثناء وبعد أدائهم المناسك، وإبراز صورة مشرقة وحضارية عن المملكة في خدمة المقدسات وقاصديها.
فيما عاش الزائر لجناح "الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي" بالمعرض تجربة افتراضية حية من خلال تقنية الواقع الافتراضي، وتجربة مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة بتفاصيل دقيقة تنقل مراحل صناعتها وتركيبها، مما يمنح الزائر تصورًا واقعيًا لهذا الحدث السنوي المهيب.
وتعرّف الزائر من خلال الجناح على مجسمات ثلاثية الأبعاد للكعبة المشرفة والمسجد النبوي، توضح تفاصيل معمارية ومعالم مثل الحجر الأسود، وباب الكعبة، والقباب المتحركة، وتساعد هذه المجسمات على إثراء تصور الزائر، وأتاح ركن خامات الحرمين للزوار تجربة ملمس رخام "التاسوس" الأبيض المستخدم في أرضيات المسجد الحرام، إلى جانب نماذج من السجاد الفاخر، وخيوط كسوة الكعبة المصنوعة من الحرير وأسلاك الفضة المطلية بماء الذهب.
فيما عاش الزائر في ركن الصوتيات أجواء روحانية بالاستماع لصوت الأذان والتلاوات القرآنية بجودة عالية تحاكي أجواء الحرمين، وتعرّف الزائر على الأنظمة الصوتية المتقدمة التي تضمن وضوح الصوت في جميع أنحاء المسجد الحرام والمسجد النبوي، مهما بلغ عدد المصلين، واستمتع الزوار في ركن الطيب بروائح البخور المستخدمة في تعطير الحرمين، إضافة إلى تقديم شرح حول أنواع دهن العود، وطرق تعطير الحجر الأسود يوميًا في تقليد يعكس عناية متواصلة بأجواء المكان وقدسيته، إلى جانب تذوق الزائر ماء زمزم في ركن مخصص يتضمن عرضًا معلوماتيًا عن مصدره، وطرق تعبئته وتوزيعه داخل الحرمين، كما يُعرض فلم قصير يبرز أهميته لدى المسلمين.
أما "الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة"، فقد جاءت مشاركتها في المعرض تجسيدًا لدورها المحوري في تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، واستعراض ما تحقق من مشروعات نوعية أسهمت في رفع كفاءة الخدمات والبنية التحتية وإثراء تجربة ضيوف الرحمن، إلى جانب تسليط الضوء على توجهاتها المستقبلية في دعم التنمية المستدامة وتعزيز جودة الحياة.
ومن خلال جناحها في المعرض، سلطت الهيئة الضوء على مجموعة من المبادرات والمشروعات التنموية التي تشكل مكونات رئيسة في منظومة التطوير، من أبرزها: المركز العام للنقل الذي يُعنى بتوحيد المرجعية التشغيلية للنقل وتنظيم المنظومة الحديثة للحافلات وأجرة مكة، ومشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من لحوم الهدي والأضاحي الذي تشرف عليه الهيئة لضمان كفاءة التشغيل والامتثال للضوابط الشرعية والصحية، وأيضاً مركز الأهلة وعلوم الكون الذي يُسهم في إثراء التجربة الإيمانية والمعرفية للزائر، إلى جانب المواقع التاريخية والإثرائية التي تعيد تفعيل الإرث الديني والحضاري لمكة عبر مواقع متعددة، إضافةً إلى "عمارة مكة".. الهوية المعمارية التي أطلقتها الهيئة الملكية سابقًا لتعزيز الطابع المعماري المميز للمدينة وربطه بخصوصيتها مما يجسّد مرتكزاتها ومفاهيمها التصميمية.
كما قدم جناح الهيئة تجربة تفاعلية شاملة تبرز جهودها في مجالات النقل والتنقل، والتحول الرقمي، والاستدامة البيئية، وتحسين المشهد الحضري، إضافةً إلى عرض فرص التعاون والاستثمار التي تمكّن القطاع الخاص من الإسهام في التنمية المستدامة بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة. وقد شهدت المشاركة توقيع عدد من الاتفاقيات وإطلاق مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز الشراكات المؤسسية وتسريع التحول الرقمي وتطوير منظومة الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين.
وفي نفس السياق، شاركت "شركة كدانة للتنمية والتطوير" - الذراع التنفيذي للهيئة- بجناح خاص ضمن فعاليات المعرض بهدف تعزيز منظومة الطوارئ والإسعافات الأولية داخل المشاعر المقدسة، بما يسهم في تحقيق سلامة وصحة الحجاج ورفع مستوى الجاهزية والاستجابة السريعة، إضافة ً إلى دعم جهود الجهات الصحية وتحسين كفاءة إدارة الحشود وتعزيز الشعور بالأمان لدى ضيوف الرحمن.
واستعرضت "كدانة" خلال مشاركتها عددًا من المشروعات التطويرية والخدمية التي تشرف عليها في المشاعر المقدسة، منها: مشروع إنشاء 71 مركزًا إسعافيًا، وانطلاق للطوارئ على امتداد مسارات المشاة، تحت إشراف الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة؛ بهدف رفع كفاءة الاستجابة للحالات الطارئة وتسهيل الوصول إلى مواقع الخدمات الحيوية.
وشملت المشروعات تهيئة مناطق استراحة الحجاج وجلسات مظللة على امتداد المسارات بمساحة تتجاوز (28) ألف متر مربع، لتحسين تجربة الحجاج وتعزيز راحتهم أثناء تنقلهم، ومشروع تظليل المسارات في مشعري منى وعرفات بمساحة إجمالية تبلغ (95) ألف متر مربع لتخفيف درجات الحرارة وتوفير بيئة أكثر أمانًا واستدامة مع الاهتمام بتقديم خدمات تراعي مختلف الفئات بما فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة.
وفي إطار تحسين جودة الحياة في المشاعر، تنفذ "كدانة" مشروع التشجير وتلطيف المناخ في الساحة الشرقية لمسجد نمرة بمشعر عرفات على مساحة (85) ألف متر مربع، من خلال زراعة الأشجار وتهيئة الأرضيات لتقليل درجات الحرارة وإثراء تجربة الحجاج.
وتنفذ الشركة كذلك مشروع مراوح الرذاذ في الساحات الشرقية للجمرات، عبر تركيب (200) عمود مزوّد بمراوح رذاذ بقطر (39) بوصة، لتخفيف أثر الإجهاد الحراري والتغير المناخي.
كما استعرضت الشركة مشروع الخيام ذات الطابقين في مشعر منى، بمساحة (20) ألف متر مربع تضم (40) مبنى سكنيًا، يسهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للمخيمات ورفع مستوى رضا الحجاج عن الخدمات المقدمة لهم، إلى جانب مشروع إحلال السلالم الخرسانية بالسلالم الكهربائية بعدد (32) سلمًا في مشعر منى، لتسهيل حركة الحجاج بين المناطق المرتفعة والساحات السفلية.
وتعمل "كدانة" على استكمال المرحلة الثانية من مشروع مسار المشاة في مشعر مزدلفة على مساحة (170) ألف متر مربع، إضافة إلى تشجير المشاعر المقدسة بـ (20) ألف شجرة، دعمًا لـ "مبادرة السعودية الخضراء"، وتحقيقًا لأهداف الاستدامة البيئية وتحسين جودة التجربة المقدمة لضيوف الرحمن.
ومن ناحية أخرى، قدّم جناح أبراج الساعة المشارك في فعاليات المعرض تجارب متكاملة ثقافية وروحانية تثري رحلة ضيوف الرحمن، حيث أثرى جناح أبراج الساعة زواره بمعلومات قيّمة حول هلال البرج الذي يقدّر قطره بـ٢٣ مترًا، ووزنه بمقدار ١٠٧ أطنان، ويعد أعلى مصلى في العالم، إضافة إلى أكبر ساعة في العالم، ويقدر طول عقرب الدقائق ٢٣ مترًا، وطول عقرب الساعات ١٨ مترًا، كما يبلغ وزن كل محرّك بكل واجهة ٢١ طنًا، إذ يمكن رؤيتها من ٨ كيلومترات، ويبلغ وزن كل عقرب ٦ أطنان، وبمجموع ٩٨ مليون قطعة فسيفساء زجاجية.
وتضم أبراج الساعة المتحف الدولي للسيرة الذي يضم أكثر من ٣٠ قسمًا تقدم ٢٠٠ عرض تفاعلي بـ٧ لغات، باستخدام تقنيات رقمية حديثة لعرض سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه وشريعته بإشراف رابطة العالم الإسلامي.
وفيما يتعلق بأمانة العاصمة المقدسة، فقد أبرزت خلال مشاركتها في المعرض أبرز مشاريعها التشغيلية والمبادرات الذكية التي تُنفَّذ خلال موسم الحج، وما حققته من إنجازات نوعية في تحسين كفاءة الخدمات البلدية المقدَّمة لضيوف الرحمن وسكان وزوار مكة المكرمة، وتعزيز جودة الحياة.
وقد ضم جناح الأمانة في المعرض مجموعة من المبادرات الذكية والمشاريع النوعية التي تُسهم في رفع كفاءة الأعمال الميدانية، وتوظيف الحلول التقنية لتحقيق أعلى مستويات الامتثال والجودة، وبناء منظومة تشغيلية تستجيب لاحتياجات المدينة والتوسّع المتسارع في الخدمات، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تحسين جودة الحياة داخل المدن.
وأظهرت الأمانة - من خلال مشاركتها المميزة بالمعرض- أن خططها التطويرية تُركّز على رفع مستوى النظافة والصيانة التشغيلية، وتحديث شبكات الطرق والمرافق العامة، إلى جانب تعزيز منظومة الاستجابة الذكية للطوارئ، بما يضمن بيئة حضرية آمنة ومستقرة، ويسهم في تحسين تجربة ضيوف الرحمن أثناء أداء مناسكهم في ظروف ميسّرة، مبينة أنها تعمل على رفع كفاءة المشهد الحضري من خلال زيادة الرقعة الخضراء وتطبيق المعايير البيئية المتقدمة في المرافق البلدية.
وخلال فعاليات المعرض أيضاً، وقَّعت جامعة أم القرى - ممثلةً بمعهد البحوث والدراسات والخدمات والاستشارات- عقدًا استشاريًّا، يهدف إلى تقديم برامج تدريبية متخصصة للحجاج والعاملين في خدمة ضيوف الرحمن، ضمن برنامج "رافد الحرمين"، وذلك بحضور رئيس جامعة أم القرى الدكتور معدي بن محمد آل مذهب.
ويأتي هذا العقد الذي وقع مع "شركة الراجحي للخدمات التجارية" امتدادًا لدور الجامعة في الإسهام بتمكين منظومة خدمات الحج والعمرة، من خلال تقديم برامج تدريبية ومهنية نوعية؛ تعزز جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتسهم في تحقيق مستهدفات "رؤية المملكة 2030".
ويُعد برنامج "رافد الحرمين" أحد البرامج الوطنية التي تتولى جامعة أم القرى تصميمها وتنفيذها والإشراف عليها، بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة وشركاء التدريب، وذلك من خلال "معهد البحوث والدراسات والخدمات والاستشارات"، بهدف تأهيل الحجاج والكفاءات العاملة في خدمة ضيوف الرحمن، ورفع جودة التجربة المقدمة للحجاج والمعتمرين، انسجامًا مع مستهدفات برنامج خدمة ضيوف الرحمن.
إلى ذلك، شاركت الغرفة التجارية بمكة المكرمة في المعرض بجناح خاص استعرضت فيه جانبًا من جهودها المتواصلة؛ لتعزيز منظومة الحج والعمرة، ودعم مشاركة القطاع الخاص في تطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والارتقاء بتجربة الحاج والمعتمر من مختلف أنحاء العالم.
وكشفت الغرفة عن عدد من مبادراتها وخدماتها الحديثة؛ الهادفة إلى دعم منظومة الأعمال في العاصمة المقدسة، من خلال تعزيز بيئة الاستثمار والخدمات المساندة لقطاعي الحج والعمرة.
يذكر أن هذه المشاركة من غرفة مكة تُعد خطوة إستراتيجية نحو تعزيز التواصل مع الشركاء المحليين والدوليين، واستكشاف فرص التعاون المستقبلية لتطوير الخدمات والابتكار في مجال تحسين منظومة الحج والعمرة.
ــــــــــــــــ
*مدير البريد السعودي (سبل) بالعاصمة المقدسة





