كانت أولى المشاهد الجديرة بالملاحظة خلال زيارة سمو ولي العهد التاريخية إلى الولايات المتحدة يوم 18 نوفمبر الجاري، ذلك "الاستقبال الأسطوري" الذي خص به الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ضيفه الكبير الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- بمراسم استقبال رسمية هي الأرفع لأي ضيف حلّ على البيت الأبيض منذ تسلّم الرئيس الأمريكي ولايته الثانية في يناير 2025م. كما شهدت المراسم البروتوكولية تحليقاً لمقاتلات "إف-16"، و"إف-35"، وعرضاً لمشاة البحرية الأميركية.
وعقب اصطحاب سمو ولي العهد في جولة داخل البيت الأبيض، عبّر "ترامب" عن متانة العلاقة بين البلدين، واصفاً زيارة الأمير محمد بن سلمان بـ "الشرف الكبير"، وإن ولي العهد "رجلٌ يحظى باحترام كبير، وصديق عزيز جداً منذ زمن طويل"، مضيفاً إنه يكنّ احتراماً كبيراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-.
كما عبّر الرئيس الأميركي عن فخره بالعمل الذي قام به الأمير محمد بن سلمان، واصفاً ما فعله في المملكة بأنه "مذهل، والثقة مع السعودية وولي العهد متبادلة، وهو يفكر دائماً في بلاده وجعل المملكة عظيمة".
من جانبه، أشاد سمو ولي العهد بـ "التداخل المهم بين المملكة والولايات المتحدة" في مختلف المجالات، موضحاً سموه إن العلاقة بين الجانبين "لا يمكن استبدالها، لا من الجانب السعودي ولا الأميركي"، مضيفاً أنها "علاقة حاسمة لجهودنا السياسية والاقتصادية ولأمننا"، مذّكراً بتاريخ هذه العلاقة التي تأسست قبل تسعة عقود من الزمن. كما وصف سمو ولي العهد الفرص المتاحة أمام الجانبين بـ "الضخمة"، وأنه سوف "تتعمق في العقود القليلة القادمة"، مستبشراً سموه بفصل جديد ضخم في هذه العلاقة التي ستضيف قيمة للجانبين.
والأمر المؤكد أن زيارة سمو ولي العهد إلى واشنطن قد فتحت فصلاً جديداً عظيماً في العلاقات (السعودية/ الأميركية"، وعزّزت أسس "شراكة بلا حدود" بين الحليفين التاريخيين.
وللتأكيد على المعنى السابق، علينا ان نرصد - سريعاً- أهم الاتفاقات التي تمخضت عنها الزيارة التاريخية، وأولها توقيع سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي على "اتفاقية دفاع استراتيجي"، في خطوة تمثل نقلة نوعية في الشراكة الدفاعية بين البلدين، لا سيما مع إعلان الرئيس "ترامب" رسمياً تصنيف المملكة العربية السعودية "حليفاً رئيسياً خارج حلف شمال الأطلسي"، وموافقته على بيعها مقاتلات "إف – 35" الأكثر تقدّماً في العالم، في سابقة لجيش عربي. ويُعدّ هذا التصنيف أعلى درجة تعاون عسكري وأمني تمنحه الولايات المتحدة لدولة لا تنتمي لحلف "الناتو"، ويحصل الحليف من خارج "الناتو" على عدة امتيازات رئيسية، منها: الأولوية في الحصول على الأسلحة الأميركية المتقدمة والتكنولوجيا العسكرية المتطورة، وإمكانية شراء أو استئجار معدات عسكرية أميركية بأسعار مخفضة أو بشروط ميسرة. ويسمح هذا التصنيف أيضاً للدولة الحليفة خارج "الناتو" بالمشاركة في برامج تطوير أسلحة مشتركة مع الولايات المتحدة، والمشاركة في مشاريع البحث والتطوير العسكري.
فيما تُتيح "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي" رفع مستوى التنسيق والتكامل بين المؤسسات العسكرية في البلدين، بما يعود بالنفع على أمن واستقرار المنطقة. كما سينعكس التعاون في مجال الصناعات العسكرية على خلق فرص عمل في الاقتصاد الأميركي.
ومن ناحية أخرى، وقع الجانبان اتفاقات في مجالَي الطاقة النووية لأغراض مدنية، إذ صادق البلدان الحليفان على "إعلان مشترك" حول الطاقة النووية "يُنشأ بموجبه الأساس القانوني للتعاون الذي تصل قيمته إلى مليارات الدولارات على مدى عقود ويجري بما يتوافق مع قواعد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".
إلى ذلك، وقع الجانبان "وثيقة الشراكة الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي"، والتي تُعد خطوة تاريخية تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، وتعكس الالتزام الراسخ لدى الجانبين بتعزيز الابتكار والتقدم التقني، سعيًا لشراكة أمن اقتصادي شاملة وطويلة الأمد لتعميق الالتزامات الأمنية المشتركة وتعزيز الرخاء الاقتصادي من خلال توظيف التقنيات المتقدمة والمستقبلية، لما فيه المنفعة المتبادلة لبلدينا العظيمين.
وعلى جانب آخر، تم توقيع عدد من الاتفاقات الاستراتيجية بشأن تسهيل الإجراءات لتسريع الاستثمارات السعودية، وترتيبات الشراكة المالية والاقتصادية، والترتيبات المتعلقة بالتعاون في قطاع الأسواق المالية، والاعتراف المتبادل بالمواصفات الفيدرالية الأمريكية لسلامة المركبات، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال التعليم والتدريب.
وقد شارك سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي في "منتدى الاستثمار الأمريكي – السعودي" الذي شهد إعلان توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم من الجانبين بقيمة تقارب 270 مليار دولار. كما أجرى الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لقاءً مع رئيس مجلس النواب الأمريكي "مايك جونسون"، والتقى سموه الكريم عددًا من قيادات مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي.
ــــــــــــــــــ
*مدير البريد السعودي (سبل) بالعاصمة المقدسة





