يتعامل الكثيرون مع مفهوم البيئة المثالية في العمل كما لو كانت مطلبًا واقعيًا يمكن الوصول إليه بسهولة؛ لكن الحقيقة أنها أشبه بالغول والعنقاء والخلّ الوفي؛ تُذكَر في الكتب، وتُحتفى في الخطابات، لكن وجودها الكامل في الواقع يكاد يكون أسطورة أو خيال كالسحاب السائر.
والعمل -كما نعلم - بطبيعته مساحة تتقاطع فيها شخصيات متعددة، وتختلف فيها الأولويات، ويختلط فيها الضغط بالمسؤوليات.
ولأن البشر ليسوا نسخًا متطابقة، فإن توقع بيئة خالية تمامًا من المشكلات، أو خالية من التوتر، أو منسجمة على الدوام، هو ببساطة توقّع لما لا يمكن حدوثه.
وحتى أماكن العمل والمؤسسات الأكثر نجاحًا، التي تُستشهد بها كقدوة، لا تخلو من قصور أو تحديات داخلية، وصراعات ذات أبعاد متنوعة.
لكن هذا لا يعني أن نسلم بالفوضى أو نقبل بالحد الأدنى، فالخيال حتى لو كان مستحيلًا، قد يصبح معيارًا نُقارِن به الواقع، ونقيس من خلاله خطوات التحسين.
والبيئة المثالية لن تتحقق، لكن يمكن السعي لخلق بيئة أفضل بشكل متدرج: يقلّ فيها الاحتكاك، ويزداد فيها الاحترام، وتتوازن فيها العلاقات، ويُمنح فيها العاملون قدرًا من التقدير والإنصاف.
إن الاعتراف بأن الكمال غير ممكن ليس هزيمة، بل خطوة أولى نحو بناء بيئة عملية واقعية، ناضجة، وأكثر إنسانية.
وبين الأسطورة والواقع مساحة واسعة للتطوير والتحسين، ومجال مفتوح يمكن توظيفه، وقديما قيل "ما لا يُنال كلّه لا يُترك جلّه".
ــــــــــــــــ
*أكاديمي سعودي





