يميل الأفراد إلى التقارب والقرب من بعضهم البعض، وطبقًا لهرم "ماسلو" للحاجات النفسية فإن الأفراد يشعرون بالحاجة إلى الانتماء، "فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه"، تلك قاعدة معروفة في علم النفس الاجتماعي، ولا يستطيع أي شخص مهما كان أن يعيش منعزلًا عن عالمه الاجتماعي ومحيطه المقرّب. ومن بين هؤلاء الأفراد من يفضّل الانسحاب بدرجة أو بأخرى، ويرجع ذلك لأسباب عدة أهمها: التشبّع من معاملة الأشخاص، وخصوصًا ذوي الإساءة النفسية، حتى إذا ما قابلته إحباطات وتعاملات جعلته يؤمن بأن العزلة خير صنيع، وأن التعامل لا بد أن يكون في حدود، ويتبع ذلك حفظًا للمسافات الاجتماعية.
ولا شك أن للتكنولوجيا دورًا مهمًا في حياة البشر، حيث يتم الاعتماد عليها بشكل كبير، ولكن كما أن لها إيجابيات، فإن لها أيضًا سلبيات، وخصوصًا إذا أسيء استخدامها. والشاهد هنا أن العديد من الأفراد قد وجد فيها ضالته، وصار يتخفّى وراء شاشات الهواتف الذكية وفي بعض المواقع الإلكترونية، فصنع لنفسه عالمًا وفيلمًا سينمائيًا، وكان البطل فيه هو نفسه، قدّم فيه عرضًا ذاتيًا خلف ستار تفاعلي وهمي، كما أنه قام بنفسه بإخراج هذا العمل غير المعلن عرضه للجمهور. فكم من أفراد لم يستطيعوا أن يفسحوا ويفصحوا عن ذواتهم واقعيًا، فقاموا بذلك خفية كأسلوب تعويضي وميكانيزم دفاعي عن ذواتهم المكلومة ورغباتهم العاجزة غير المعبَّر عنها.
ومن أهم دوافع التستر خلف الشاشات: الفراغ، والفضول، والمشكلات الأسرية، والمشكلات بين الأزواج، والانتقام، وانتحال الشخصيات. وللأسف الشديد فإن هذا الأمر يتصف بالتمادي عند البعض، فقد يصل إلى حد التشويه للغير والانتقاص من شأنهم، أو قد يصل إلى حد ممارسة التنمر والابتزاز المادي والنفسي المعنوي، والتهديد بالفضيحة والتنمر؛ مما قد يسبب مشكلات لكلا الطرفين. والخلاصة أن لاستخدام هذه التقنيات الحديثة والسلوكيات دوافع وراء هذه الأفعال، منبثقة من ممارسات وبنية شخصية ورغبات دفينة وآمال مرغوبة وغير محققة.
ولعلاج هذه المشكلات السلبية يمكن اتباع الآتي:
الفطنة إلى الأمر والوعي بالتصرفات واتخاذ قرار حيالها.
مراجعة الأخصائي النفسي وتقييم الحالة.
استثمار طاقات الشباب وتوظيفها في الأعمال المناسبة.
التنفيس عن الرغبات العدوانية في أعمال مفيدة كالجوانب الرياضية وغيرها.
دراسة المشكلات النفسية للأطفال والمراهقين والشباب وتقديم حلول جذرية لها.
زيادة العمل على تقوية الترابط الأسري وتدعيمه، وتقديم ورش عمل ودورات تدريبية للأسرة كاملة لزيادة الوعي حول استخدام التقنيات الحديثة ودورها في شخصيات الأبناء سلبًا وإيجابًا.
استخدام العلاج المعرفي السلوكي لتغيير البنية المعرفية والسلوكية لهؤلاء الأفراد.





