يقول المثل : " أعطِ الخبز لخبازه ولو أكل نصفه " ، وهو ليس مجرد حكمة شعبية، بل خلاصة تجربة إنسانية عميقة تؤكد أن الإتقان يبدأ من وضع المهام بيد أهلها، وأن الثقة ليست هدية، بل قرار يُبنى عليه النجاح.
لقد شعرتُ بهذا المعنى بقوة حين أُسند إلي - وديا - جزء يسير من ترتيبات برنامج عمرة الرواد في نسخته الثانية . ورغم بساطة التكليف، إلا أنه أيقظ داخلي شغفًا جارفا: أن أقدّم لضيوف مكة ما يليق بمقامهم ومكانتها، وأن أجعل تجربتهم في البلد الطيب تجربة تُحكى وتُستعاد.
فمكة المكرمة – ياساده ياكرام - ليست مدينة عابرة وككل المدن على وجه الارض .. إنها ذاكرة المكان والزمان، ومسرح القيم، وموطن الضيافة التي تتجاوز البروتوكول إلى الحب الصادق. وأنا ابن هذه المدينة المقدسة ، أتنفس تفاصيلها، وأعرف أسرارها، وألامس تحوّلاتها من الأزقّة القديمة إلى مرافقها الحديثة. أما بوصفي (مرشدًا سياحيًا) ، فقد حمّلتني التجربة مسؤولية أكبر أن أجعل من الزيارة حكاية لا تُنسى.
النجاح يحتاج إلى ثقة… والثقة تحتاج إلى تفويض واضح ومساحة حركة.
في النسخة الأولى، حاولنا أن نجتهد، وأن نُرضي ضيوفنا، لأن كل واحد منهم حين يستقبلنا في بلده يمنحنا عشرة أضعاف ما نحاول تقديمه هنا. أما اليوم، وفي النسخة الثانية، لم نقدم شي يذكر - حسبما خطط له - لأننا ببساطه نملك الكثير ، ولم تتاح لنا الفرصة لنقدم شيئا
إن مبدأ «اختر المتخصص ثم اتركه يعمل» ليس ترفًا إداريًا، بل جوهر العمل الاحترافي. حين يوضع العمل بيد من يعرف المكان، ويحمل الخبرة، ويمتلك الرؤية، تتحول الفكرة إلى نجاح، والهواجس إلى إنجاز، والنوايا إلى أثر حي.
نحن في مكة — أهلها وعارفو طرقها — ننتظر أن تُمنح لنا الثقة كاملة، ثقة تخوّل لنا أن نبادر، أن نرتّب، أن نستقبل ونودّع، وأن نخلق تفاصيل تُشرف المدينة وتلائم مقام ضيوفها.
ولذلك أقول: امنحوا أبناء مكة الثقة، فهم أعرف بها من خرائط الفنادق ، وأقدر على تحويل برنامجٍ عادي إلى تجربة تفيض جمالًا وإنسانية.
وأنا… ما زلت أحمل ذلك الشغف، وكلما استُدعيت لأخدم ضيوف مكة في كل المجالات والتخصصات والمناسبات ، أدركت أن الثقة ليست طلبًا… بل مسؤولية تستحق أن تُؤتمن في يد من يعرف قيمتها.
فالثقة تصنع الفرق… ومن يملك المكان يعرف كيف يصنع الأثر ، هذا علمي وسلامتكم .






التعليقات 1
1 pings
محمد العبيدي
05/12/2025 في 8:23 ص[3] رابط التعليق
كلامك درر وانت صاحب همة ونشاط وابتكار
عاشرتك وعرفت معدنك الاصيل
لا حرمنا الله اياك