خديجة
تاج نساء العالمين
وملحمة الوفاء النبوي !!
مدخل أول :
لا أملُ الكتابة عن أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .. فهي التي فاقت عظمتها كل وصف .. وجمع قلبها بين الوفاء والحكمة والكرم حتى أصبح ذكرها نبراساً يُضيء طريق الحب الصادق والوفاء الحقيقي لكل زوجة ومحبٍّ وإيمانٍ صادق .. مهما حاولت الكلمات التعبير عن مكانتها تبقى عظمتها فوق ما يُقال .
-
مدخل ثاني :
سأتحدث عن واحدةٍ من أعظم قصص الحب في التاريخ
قصة يفوق جمالها كل وصف .. وأعلم مسبقاً أن الكلمات – مهما سَبَكَت نفسها – لن تفيها حقها .. فخديجة بنت خويلد رضي الله عنها ليست مجرد اسمٍ في سجلّ السيرة بل هي مدرسةٌ كاملة في الحكمة والوفاء والعظمة الإنسانية .
كانت رضي الله عنها سيدة أعمال ناجحة يُضرب بها المثل في النزاهة والرشد حتى لُقّبت بالطاهرة .. أدارت تجارتها بين الشام واليمن بثقة واقتدار واعتمدت على أكفأ الرجال
وكان من بينهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي بلغت أخبار صدقه وأمانته مسامعها .. فأوكلت إليه الإشراف على إحدى قوافلها وأرسلت معه مولاها ميسرة الذي عاد مُندهشاً من أخلاق النبي وقد رأى من كرمه وسماحته وخصاله ما جعله يروي لخديجة رواياتٍ زادت الإعجاب إعجاباً حتى تسرّب حب محمد إلى قلبها دون أن تشعر !!
كانت رضي الله عنها قد بلغت الأربعين وهو عمر النضج والرزانة لكنها أدركت بعين الحكمة أن العمر لا يقف بين قلبين جمعهما الصدق .. باحت لصديقتها نفيسة بإعجابها بالنبي الكريم فشجعتها .. فكانت نفيسة بريد القدر الذي حمل عرض الزواج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ..
قَبِلَ النبي عليه الصلاة والسلام .. وتزوجها وهو في الخامسة والعشرين غير آبه بفارق السن بل مقدّراً ما فيها من عقل وقيمة وفضل فكانت زواجه المبارك وسكنه .. وأم أولاده وسبباً في طمأنينة قلبه .
وعندما عاد من غار حراء يرتجف وقد جاءه أول الوحي .. لم يلجأ إلا إليها .. قال : « زملوني زملوني » فضمّته بثبات امرأة عظيمة وأطفأت خوفه بقولها الذي أصبح خالداً :
« كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق » .
ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل
فلما سمع منه قال بثبات :
« أبشر… ثم أبشر… ثم أبشر، فإني أشهد أنك النبي الذي بُشّر به عيسى، وأنك رسول الله » .
لم يعرف التاريخ الإنساني زوجةً أحبّت زوجها وآزرته ووقفت معه قلباً وروحاً كما فعلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها .
أعطته مالها ووقتها وقوتها وطمأنينتها وكانت سنداً له في أصعب لحظات الدعوة .. ومن كمال وفائها أن جبريل نزل من السماء يحمل إليها سلاماً من الله ويبشرها ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا تعب .
عاشت مع النبي خمسةً وعشرين عاماً لم يتزوج عليها خلالها تقديراً لها ووفاءً .. وعندما تُوفيت سُمّي العام بـ عام الحزن وكيف لا وهي أول من آمن وأقرب القلوب إليه وأوفى من عرف .
ظل النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها طوال حياته ويفيض قلبه محبةً لها حتى قالت عائشة رضي الله عنها : « ما غِرت على امرأة ما غرت على خديجة ». فسألته يوماً عنها فقال عليه الصلاة والسلام الكلمة التي تكشف مكانتها في قلبه :
« لا والله ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد » .
وجاء في الأثر أنه بعد فتح مكة دخلت علي النبي عليه الصلاة والسلام عجوز فاستقبلها بحفاوة عظيمة .. فسأله الناس عنها فقال :
« هذه صديقة خديجة .. كنا نتحدث عن أيام خديجة ».
سلامٌ على أم المؤمنين خديجة
سلامٌ على الطاهرة النقية
سلامٌ على المرأة التي
علمت العالم معنى الوفاء
ومعنى أن تكون الزوجة سنداً لا يتكرر .
وتبقى سيرتها ضوءاً
يهدي كل محبٍّ صادق
وكل زوجة مخلصة
وكل إنسان يعرف قيمة الوقوف
مع الحق في زمن المحن .
ـــــــــــــــــ
*كاتب وأديب كويتي





