"قدر هذه المنطقة من العالم العربي أن تقود قطار التغيير... على مدى سنوات طويلة، كانت دول الخليج هي مركز الأعمال والتجارة".. عبارة عبقرية أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ عدة سنوات واثبتت الأيام صدقها واستشرافها للمستقبل رغم الظروف غير الطبيعية التي يعيشها العالم مع تداعيات الحرب "الروسية- الأوكرانية" المشتعلة منذ فبراير 2022م، وتداعيات "حرب غزة" التي استمرت لعامين كاملين منذ أكتوبر 2023م، فضلاً عن الحرب التجارية التي نشبت بين الولايات المتحدة والصين.. فما بالنا بصدق عبارة ورؤية سموه إذ كان العالم يعيش ظروفاً طبيعية.
أما عن مناسبة هذا الكلام، فتتلخص في التقرير الأخير الصادر عن البنك الدولي حول المستجدات الاقتصادية لدول الخليج تحت عنوان "التحول الرقمي في الخليج: محرك قوي للتنويع الاقتصادي"، والذي أكد على أن منطقة الخليج قد اكتسبت زخماً متزايداً في عام 2025م، مدعوماً بالإصلاحات الهيكلية والابتكار الرقمي المتسارع، حيث رفع البنك الدولي - في التقرير- توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026م إلى (4.5%)، بنسبة أكبر من توقعاته السابقة في أكتوبر المنقضي والتي كانت تبلغ (4.4%).
وأضاف التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي تمر حالياً بتحول هيكلي متسارع بهدف تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، حيث تحتل قضايا خلق فرص العمل صدارة الأجندة في الرؤى الوطنية لهذه الدول، مشيراً إلى أن دول الخليج تتمتع بوضع فريد يؤهلها لجذب واستبقاء الكفاءات المزودة بالمهارات الرقمية، وذلك لبناء وتشغيل واستدامة الاستثمارات الضخمة التي يتم ضخها في البنية التحتية الرقمية العامة، والحوسبة السحابية، ومراكز البيانات، والذكاء الاصطناعي.
وقد سلط الضوء على آفاق النمو في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2025م، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وعنها يقول التقرير: "لا يزال الزخم الاقتصادي في القطاعات النفطية وغير النفطية بالسعودية مستمراً، ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (3.8%) في عام 2025م. غير أن انخفاض أسعار النفط العالمية سوف يؤدي إلى اتساع العجز المالي، مع ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن تدعم إصلاحات (رؤية 2030) الجارية وتعديل قوانين تملك الأجانب تدفّق الاستثمارات".
ومن ناحية أخرى، سلط تقرير البنك الدولي الضوء على التقدم الكبير في الجاهزية الرقمية، إذ تفتخر جميع دول مجلس التعاون الخليجي بتوفر شبكات اتصالات متطورة، بتغطية تتجاوز (90 %) لشبكات الجيل الخامس وإنترنت عالي السرعة بأسعار معقولة.
وأضاف التقرير أن الاستثمارات الكبيرة في مراكز البيانات وأنظمة الحوسبة عالية الأداء تساهم في تعزيز جاهزية الذكاء الاصطناعي، مع بروز السعودية والإمارات كقادة إقليميين ودوليين في هذا المجال.
كذلك، أشار التقرير إلى أن مشاركة المرأة الخليجية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قد تجاوزت المتوسط العالمي، مما يعزز القدرة التنافسية الرقمية للمنطقة.
ولتعظيم فوائد التنويع والتحول الرقمي، أوصى تقرير البنك الدولي بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تبني الذكاء الاصطناعي لتعزيز بيئة الابتكار، وتنفيذ برامج التدريب لتأهيل المهارات للتخفيف من نواقص سوق العمل.
كما يعد التعاون الإقليمي في البنية التحتية الرقمية وإنشاء مراكز تميز للذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية لبناء أسواق رقمية موحدة ودفع عجلة التحوّل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان.
................................
(*) رائد أعمال ومستثمر.





