مع الأسف، قلما تخلو فترة وأخرى عن سماع خبرٍ عن جريمة قتل بشعة، ولأسباب تافهة، وقد تكون بحق أحد الأقارب أو الأصدقاء، وهذا مؤشر خطير على خلل مجتمعي كبير، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الظاهرة الخبيثة، بأنها جريمة محرّمة في الإسلام، لقول نبي الرحمة عليه السلام: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه” (رواه مسلم)، كما أخبرنا عن ظاهرة كثرة القتل في آخر الزمان وحذرنا منها؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج”، قالوا: يا رسول الله أيما هو؟ قال: “القتل القتل” (متفق عليه).
بل لكثرة من يُقتل، فإن القاتل لا يدري لماذا قَتل! ولا يدري المقتول لماذا قُتل! كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، ليأتينَّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل” (رواه مسلم).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم “ينقص العلم”، إشارة إلى ارتباط ظاهرة الجهل المجتمعي بالدين والإسلام باستفحال ظاهرة القتل، فنجد الأفراد يَقتل بعضهم.
دراسة قديمة له بعنوان “محاولة في سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي”، حيث يشرح فيها عمليّة تأثير وسائل الإعلام على انتشار الظواهر الإجراميّة عبر طرق، هي:
التعليم: فبنشر تفاصيل ارتكاب الجريمة، يمكن تعلّم أساليب سرقة السيّارات، وإخفاء معالم ملكيتها، وكيفيّة تزوير الوثائق، ووسائل الغشّ التجاري، وغيرها من أساليب الانحرافات السلوكيّة.
التقليد والمحاكاة: تقليد ما يعرض في وسائل الإعلام من أكثر الآثار المباشرة على سلوك أفراد المجتمع، وخاصة فئات الأطفال والشباب، وتجيب عالمة النفس ليليان لورسا، في إحدى المقابلات التي أجريت معها، عن سؤال “كيف تظهر تلك السيطرة؟ (سيطرة جهاز التلفاز على الأطفال)، بـ”الفتنة.
قتل الإحساس جرّاء مشاهدة برامج العنف: مِن تأثير الإعلام على سلوك الأفراد والجماعات قتل الإحساس تجاه الآخرين، خاصة في حالة برامج العنف التي أصبحت اليوم تطغى بشكل بارز في بعض البرامج التلفزيّونية، وخاصة المخصّصة منها للأطفال.
تراجع دور الأسرة: كانت الأسرة في العادة تقوم بدور الوسيط الإيجابي بين الفرد والقيم الاجتماعيّة، إذ تحاول عبر التنشئة الاجتماعيّة خلق نوع من الحصانة التربويّة والتنشئة الاجتماعية التي تحول بين الطفل وبين الانحراف. كما تقوم أيضا عبر آليات متنوّعة بخلق التوازن النفسي والاجتماعي بين المحيط الخارجي (الروضة، المدرسة، الشارع، الأصدقاء…) وبين ما تطمح له العائلة من تربية لأبنائها، لكن مع دخول جهاز التلفاز والدور الذي أصبح يقوم به، وخاصة سيطرته الكليّة على الأطفال، بدأت الأسرة تفقد مكانتها تدريجيّا، وصارت كلّ التأثيرات التي كانت الأسرة تخاف منها وتمارس سلطتها لمنع التأثر بها، يشاهدها الأطفال والشباب داخل البيت لا خارجه.
ومن هنا أورد عدداً من الحالات العربية التي صرح فيها المجرمون أنهم قلدوا الأفلام والمسلسلات في جرائمهم، ليخلص إلى توصية نهائية أنه: “هناك دور مهم للإعلام في الحدّ من الجريمة، وذلك بدراسة ما يُعرض على شاشات التلفاز. وما يهمنا أن يكون إعلامنا إعلاماً هادفاً موجهاً مساعداً للأسرة في التنشئة الأسرية من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة”.