عندما يعود الإنسان بذاكرته إلى عقود مضت ، يسترجع بالتأكيد شريط الذكريات ،إذا كانت أحواله مستقرة ، ينعم بالصحة والعافية سليما معافى ، وشريط ذكرياتي- ولله الحمد – أكثر ما احتفظ به في حياتي ، وفيها أحداث متسلسلة أبطالها أخوة أعزاء باتوا اليوم كهول ، وأعاده صبيحة يوم إجازة نهاية الأسبوع في العاصمة الأمريكية واشنطن ، وسط الأجواء الباردة جدًا بطلها زميل درب ، وصديقٌ حميم ، أخ لم تلده أمي بمعنى الكلمة ، كنا نقضي الساعات والأيام مع بعضنا ، هو بالتأكيد ضلعٌ مكملٌ لمثلث ذكرنا ضلعه الأول في مقال سابق واليوم يأتي ذكر القائد الأخ والزميل الحبيب يوسف حمزه هوساوي ، الذي كان ومازال يتميز بنفس أفعاله البطولية فهو بطل منذ أن عرفته لا يرضى بالهزيمة ويسعى للانتصار دائما ، حبيب لطيف ، خفيف الظل ، الدعابة دائما تصاحبه مع الكبير والصغير
عرفت “أبا مهند” جَلدا ، يملك إصرارًا قليل من الرجال يُتصف به ، لا يُحب الخلاف ولا يدخل به مع أحد ، جبل على السعي لتجميع الناس والإشراف عليهم والعمل على إسعادهم ، وقلبه كبير ويتسع الجميع ، كان قائدًا لزملائه على مستوى النادي والحي ، فكرة القدم والعاب القوى معشوقتان دائمتان له ، إلى جانب التخصصي العمل كمعلم للتربية البدنية
عشنا سويا مرحلة الشباب وماقبلها سمنّاَ على عسل ، لم نختلف قط ، يقدم دائما تنازلا لمن يتصنع الخلاف معه ، كنّيتُه “أنا” بـ”مالك الحزين” ، وكنّاهُ أستاذه الجامعي بــ” جون”
لم نفترق ألا في سبيل لقمة العيش تخرج وتعين ورحل إلى جدة من مكة المكرمة ، وأستمر فيها حتى هذه الساعة ، لم تشغلنا هموم الحياة وانشغال الأسرة والأبناء عن بعضنا
الوجه الآخر “لمالك الحزين ” ناصعُ البياضِ ، فهو تزوج لينجب ابنًا منحه كل ما يملك حتى أنهى دراسته الجامعية ، فقد والده أولا ثم والدته ، فزادته الظروف إصرارًا على العطاء ، فهو القريب المتفقد لأحوال إخوته كبيرًا وصغيرًا ، وخيرُ سند لأخواته ، لم أسمع قط أن تذمر أو تشكي من خدماتهم رغم علمي ببواطن بعض الأثقال التي يتحملها عن إخوانه وأخواته، فهو رجل الخير وداعم الخير
ومازلت أتذكر للحبيب “جون” قصة زميل ذهب به إلى معلمه ومدربه في الجامعة ليتمكن من أداء التدريب في منتخب الجامعة فقابلهما المدرب بموقف ، لا ننساه جميعاُ ، وعندما يذكر هذا الموقف يضحك طويلا
أسلوبه التربوي كمعلم فاضل يختلف كليا عن كثيرًا من أقرانه ، فأنا من خلال العلاقة وقربي منه شاهدته بأم عيني يجتمع بطلابه خارج اسوار المدرسة يعاملهم بحنان الاب وبروح الخبير ، ويباشر حل بعض مشاكلهم
مواقف “أبو مهند” كثيرة وعديدة بعدد سنوات الرفقة التي قضيناها ، ولا يتسع ذكرها هذا السطور القليلة ، أسأل الله أن يديم المحبة والإخوة بيننا ما حيينا