في أحد الأصبوحات التدريبية التي قدمتها للسيدات في العام المنصرم ، عادة أفتح جانب النقاش للمتدربات لعرض تجارب نجاحهن معي للإثراء المعرفي ،ولإيماني بالتدريب التشاركي ، وكنت أناقش دور النوايا في فتح آفاق حياتية ومزيد إلهام ، وقدرتنا التي مدنا الله بها في إحداث التشافي أو حلول التحديات أو غيرها ، فمجرد النية الطيبة وصدق اللجأ لله تعالى ، تلهم بخارطة الطريق مكتملة الأركان ، وستتعرف على شخصيات وستتعرض لمواقف تمكننا نحو تحقيق أهدافنا ونوايانا، حتى لتشعر وكأنك في أفياء حلم وليست بحقيقة تجلي ماكنت يوما تسعى له ويطاردك شبح التفكير الطويل فيه ، سبحان الله ما أعظمه .
في السياق تقدمت أحد المتدربات اللطيفات وقالت هل متاح أترجم كلامك بتجربة لي شخصية ، رحبت كثيراً، وبدأت تستعرض سيناريو تجربتها بأسلوب مشوق ومثير ، فتقول رزقت بفضل الله بأربع فتيات جميلات ملأنا حياتي جمالاً وهدوء ، حتى أن الكل في العائلة الكبيرة يصف بيتي كذلك ، ثم رزقت بالولد الذي لم يتمالك زوجي من الفرح الشديد لمقدم الشيخ عبدالله الذي جعل جميع أفراد العائلة يشاطروننا الفرح ، كبر عبادي وكبر معه سلطته على الجميع ، محبتي له جعلتني أخذل من نفسي ، وأتجاهل تصرفات العند التي بدأ تكبر بشكل ملفت ، فكان هذا الكبير بتصرفاته يفرض السيطرة ونحن له بالسمع والطاعة مع أبوه وأخوته !! ، وفي الصف الثاني كنت لا أتمالك نفسي من ترك الحبل على القارب مع أبوه في فرض رأيه بالخروج مع أبناء الجيران ، كنت أشعر أني أقتل أمام نفسي في رفع صوته علي وعلى أبوه ولا نملك إلا الاستسلام فقط !!، وفي أحد المرات خرج مع أصحابه بعد أخذ للمصروف اليومي ، وبعد زهاء نصف ساعة، أفاجأ أن أحد زملاؤه جاء المنزل خائف مترقب لا يستطيع أن يبلع ريقه وهو يقول عبدالله .. عبدالله ما أدري أيش فيه ، أنهرت، حتى كدت لا أستطيع أتماسك نفسي وأنفاسي لأجده ممداً في الشارع، وبسرعة البرق أتصلت على والده وأن أحمله بين يدي أركض به للمنزل ، وفعلياً استفاق بالمشفى ، وبعد خروج كافة التحاليل ، اكتشفنا أن عبدالله مصاب بداء السكري ، وأن نتيجة تحليله في بداية دخوله كان 600! ، أنهرت وجلست أبكي قرابة الأسبوعين ، كنت لا أعرف شيء أعمله غير البكاء ، ومواساة الأقرباء لنا بوصفات شعبية لا حد لها ، أخذت إجازة من العمل ، وهنا ولأول مرة بدأت في فتح كراسة جديدة وقلم ، ثم سألت هذا السؤال ! ما الحل مع ولد عصبي غضوب عنيد، لا أمالك زمام السيطرة عليها إلا بتحقيق رغباته التي لا تنتهي أبداً.. ضللت أستغفر كثيراً، حتى اهتديت من الله، بعدة حلول بسيطة لكن ايماني بالله ويقيني أنها ستنفع يوما ما.
أكملت مشوار حديثها ، بدأت أتعلم عن اللمسة الحنونة بين الوالدين والأبناء ودورها في التربية الوالدية الإيجابية ، تقول كنت أشاهد منه نفور غريب ، لم أستسلم ، بدأ أتعاقد مع شركة منتجة للطعام العضوي ، ليتغير أكل المنزل لطعام صحي مع شوية رفض من الجميع ، الذي تحول للقبول تدريجياً، ثم بدأت أحضر دورات في الرياض في الكويت في كل مكان ينير عقلي وروحي لأم تشفق كثير على ابنها وعاطفتها تغلبها في كل حين !! استمريت في القراءة عن الوعي الذاتي ، بدأ من حولي وبالأخص زوجي بالتماس التغيير ، بدأنا جميعا في مسلسل التغير ، حرصت لقراءة الكتب عن تربية الأبناء وكأني لأول مرة أربي طفلاً ، بدأت أتعلم أخفض صوتي ، بدأت أتعلم كيف أتقرب من عبادي لأني تعلمت من خلال اللمسة كيف أفهم النفور والاقتراب ، كنت أفهم أني بمجرد وضع يدي على كتفه ثم ينفر أن ثمة خلل في الاتصال بيننا ، تقبلت ذلك على مضض ، استمريت في تجربة العقود معه ، أبلغته أنه يمكنه الخروج مع زملاؤه شريطة الطعام والأبرة ، مع أهمية الاستئذان ، والطعام خارج المنزل مسموح مرة واحدة بالأسبوع ، بدأت معه بالتدريب التدريجي أن الأسرة أولا ثم الأصدقاء ، وأن الأسرة خط أحمر !! ، لم يكن هذا الإنجاز أسابيع بل أشهر ، حرمت فيها من النوم كثيراً وأن أتعلم وأقرأ وأتدرب وأمارس وأجرب ، تعرضت فيها كثيراً للإخفاق مع هذا الكائن الصغير الحجم الكبير بغضبه !! لكني كنت متقبلة ، وكنت أمتن لكل تغير وأن بدا صغيرا، كنت أمارس الامتنان كثيراً لأبسط النعم ، وأخص بالشكر لزوجي الذي كان أحد أركان نجاحي في تجربتي مع ابننا ، كنت أحمد الله كثيراً على تجربتي مع عبادي لأني فيها نضجت عشرات السنون ، تعلمت ، خالطت ، تدربت ، أخفقت ثم قمت ، حتى أصبحت اليوم أعرف ابني ومن حولي بنظرة أعينهم ، ولغة جسدهم ، وأعرف مفاتيح التعامل معهم وببساطة ، الحمد الله اليوم أن مدربة في أكثر من خمسة فنون من فنون الحياة الطيبة ، أصبحت أمتلك سيرة ذاتية رائعة مكنتني للنجاح في مجالات أخرى في الحياة ، الحمد الله لولا توفيق الله ثم تجربتي مع ولدي لما حظيت بهذا النعيم ، في الحقيقة ولمدة نصف ساعة كانت مشاعرنا جميعا مختلطة بين الدموع والفخر صفقنا لها جميعا زهاء 3دقائق متواصلة ، حتى ختمت حديثها بتعبيري ، نحن دوما وبفضل الله نمتلك الحلول السحرية للتحديات التي تمر علينا فقط إذا رغبنا !!.
وكلنا لدينا تجارب نحمد الله أننا مررنا بها لأننا تعلمنا منها كثيراً ،وأنها كانت قنطرة لمزيد من ضحكاتنا لاحقاً ، وكل تحدي يمس حياتنا له رسالة مشفرة لا يفهم كنهها إلا نحن حينما يتحد العقل مع الروح وصدقا ستجد عجباً ، لكن للأسف كثيراً يعتمد على الصوت الخارجي ليفهم ويحل معضلته ، أيمانا منه أن الخارج مصنع الداخل في حين أن العكس صحيح .
الله منحنا الصوت الداخلي صوت الحكمة الهدوء والسكون يرشدك ببوصلته للطريق السلس، هو لا يكذب لأن روحك من روح الله، على نقيض صوت النفس المزعج المجلل المضطرب الذي يغذي خوفك وينهش منك، تعلم تميز بينهما، ستجد أنك انتقلت لحياة ساكنة ممتلئة سلام ، والكل سيشعر بطاقتك الجميلة ، من حقك لنفسك أن تتعلم عن نفسك أكثر وتفهما أولا ، وتلملم شعثك ، وتهنئ بحكمتك الداخلية ،ستجد صدى ذلك على حياتك ومن يتصل بك .
أطلب وألح على الله أن يمنحك نوراً وأن يجعلك نوراً على نفسك ومن تتصل به، وأن تصبح حياتك مصباحاً منيرا، صدقاً أنت تستحق ذلك، والله الغني سيمدك بمدد الغنى والقوة والنور، كيف لا!! وخزائنه تفيض بالرحمة والعدل واللطف سبحانه، كونوا دوماً بخير وللخير فأنتم الخير.
كتابنا
> تجربة قابلة للنشر ..!
تجربة قابلة للنشر ..!
03/02/2021 10:32 م
تجربة قابلة للنشر ..!
لا يوجد وسوم
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/152386/
التعليقات 1
1 pings
ابراهيم الهلال
04/02/2021 في 10:13 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع يستحق القراءه من الاباء لمافيه دروس وعبر لفن التعامل مع الابناء