صحيح أنَّ (العادات الاجتماعيَّة)، لم تُلقِ بظلالها فحسب على حياتنا الزوجيَّة؛ بل وصلت أحيانًا لحدّ التحكُّم في طبيعة تلك الحياة وطريقة عملها! وهو ما يشكِّل بالضَّرورة ضغطًا على تعاطينا في بيوتاتنا، خصوصًا في الأزمات، فتجد أن تصرفات أحد الزوجين تدفعه (رؤية الآخرين إليهما)، وتتحكم فيه تعصبات وعنجهيات تهدم ولا تبني، وتُقطِّع ولا تَصل! ويتناسى أنه تزوج لشريك حياته في الدرجة الأولى، وأن بقاء علاقتهما مرهون بقرارهما أولًا، وأن سعادتهما تخرج من البيت أولًا.
أحد الأزواج أقدم على التَّعدُّد ثم دخل في حزمة من الإجراءات التي يدَّعي أن ضميره ورجولته تمليها عليه! بينما كانت تلك الإجراءات أصداء وسوسة شيطانيَّة استحدثت لإفساد بيته! فتراه لا يكاد يهدأ عند حدود صبر زوجته الأولى، بل يُصرّ على جمع زوجتيه في بيت واحد، أو في مناسبة واحدة ظنًا منه أن ذلك دليل رجولة، ثم تراه يتباهى أمام جماعته أنه مسيطر وهو الآمر الناهي المطاع في السراء والضرَّاء، وهو يعمل ذلك بدافع ما يدَّعي أنها عادات قومه!
وأخرى تتباهى بأنها تفعل بزوجها الأفاعيل، وأنه المطيع لها، المجيب لأوامرها، وتظهر أمام نظيراتها بصورة المسيطرة القويَّة، ثم لا يحقق هو، ولا تحقق هي سوى تعاسة الحياة، وطول النكد، وكثرة الخلافات.
إنَّه بقدر انفصال حياة الزوجين عن الدوائر الاجتماعيَّة التي تحوطهما، وبناء أسوار حماية لخصوصية علاقتهما، وأسرار بيتهما يقطع الطريق أمام الأزمات، بل يكون ذلك وقاية لا علاجًا، في حين أن الأسرة المنفتحة على الدوائر المجتمعيَّة المحيطة يسهل تزعزعها، ويكون ذلك البيت عرضة لكل شيطان إنس أو جنّ يسعى بقصد أو بدون قصد لخراب تلك العلاقة.
في وقت الأزمات، وارتفاع المنطقيَّة، وغياب الحكمة، يمكن أن يُفكّر الزوجان بمعزل عن جميع الصوارف الخارجيَّة، فلربما عادت المياه إلى مجاريها، بل يحكي لي أحد من يعمل في دوائر الصُّلح أنه بمجرَّد أن يتواجه الزوجان عازمان على التفهُّم والحوار تنتهي المشكلة!
يا الله!!
ما أتعس من يعيش الحياة الزوجيَّة لغير شريك حياته! وما أشد ما تُعاني تلك الزوجة التي جعلت الآخرين يعبثون بمستقبلها! فمتى سيدركان أن عقد الزوجيَّة قائم بين طرفين فقط؟
إن خطورة مشاركة الآخرين الخلافات الزوجيَّة لا تكمن في الفضائح وارتفاع وتيرة الخلافات فحسب؛ بل إن ذلك باب للشيطان مفتوح، وثغرة في أسوار الحياة الزوجيَّة يدلف إليها كل ضعيف نفس، والمتأمِّل للتَّوجيه القرآني الكريم عند الأزمات والخلافات الزوجيَّة يجد أنه يوجِّه الزوج للتعامل مع خلافاته بصورة مباشرة: “والتِي تخافُونَ نُشوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ واهجروهُنَّ في المضاجِع واضربوهُنَّ فإن أطَعنَكُم فلا تَبغُوا عليهنَّ سبيلًا”، ثم بعد خوف الشِّقاق والافتراق يمكن الاستعانة –بعد الله- بطرفين توافرت فيهما الصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يحكم بين النَّاس، فلا يكفي أن يكونا اثنين، واحد من طرف الزوج وواحد من طرف الزوجة؛ بل لابد من لصوق نعت “الحَكَم” بمن يتدخَّل، وفوق ذلك يجب أن تكون نيَّة الصُّلح حاضرة في الحَكَمين، تأمّل: “وإنْ خِفتُم شِقاق بينِهمًا فابعثُوا حَكَمًا من أهلِهِ وحَكَمًا من أهلِهَا إن يُريدَا إصلاحًا يوفِّق اللهُ بينَهُمَا” فأي مراعاة لخصوصيَّة الزوجين أعظم من ذلك؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مؤلف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@
التعليقات 1
1 pings
زائر
08/03/2021 في 11:35 م[3] رابط التعليق
رااائع