اهتم شرعنا الحنيف بسلامة العلاقات بين الناس، وعظّم من يسعى إلى جعلها كذلك، فنرى الله سبحانه وتعالى قد قال: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/114).
لذلك أولى قضاؤنا اهتمامًا كبيرًا بالصلح، وجعله الحل الأول لفض المنازعات، إلا أن ما أصاب العالم من جائحة كورونا جعل من المتعذر الذهاب إلى المحاكم وحضور الجلسات؛ مما حدا بالمنظم إلى إطلاق عدة خدمات إلكترونية تحت مظلة وزارة العدل، كان أبرزها تطبيق (تراضي)، والذي يعد مرادفًا لمنصة تراضي المتاحة على موقع وزارة العدل الإلكتروني.
تراضي هو منصة رقمية، تهدف إلى تسهيل المصالحة، وتقريب وجهات النظر، وحل المنازعات عن بعد بين الأفراد، أيًّا كان موضوع النزاع، وتجنيب المتنازعين مغبة اللجوء إلى القضاء -خصوصًا في هذه الظروف-، فيمكن للأطراف تقديم طلب المصالحة خلال التطبيق مباشرةً دون اللجوء إلى المحاكم.
يقوم بعملية المصالحة عبر التطبيق مصلحون ومصلحات مؤهلون بمختلف التخصصات، وقد يكونون أفرادًا أو جهاتٍ تقدم خدمات الصلح، يتم اختيارهم بحسب نوع النزاع، وقد يمارس المصلح دوره بمقابل أو بدون مقابل حسب رغبته. يقوم المصلح بالتسجيل في تراضي معتمدًا على خبراته السابقة في الصلح، دون إعارة الأهمية إلى طبيعة مهنته الأصلية، سواء كان موظفًا عامًا أو موظفًا خاصًا أو غير ذلك.
تتلخص آلية التطبيق في قيام المستفيد طالب المصالحة بإنشاء طلب صلح جديد، ثم يقوم باختيار نوع طلب الصلح وتعبئة النموذج، ثم تصل إليه رسالة تأكيد الطلب، تليها رسالة بموعد لقاء الصلح عن بعد، ثم تعقد اللقاءات افتراضيًا وبسرية تامة؛ لتحقيق الثقة والأمان بين الأطراف، فيتفق الأطراف على نقاط الخلاف والصلح.
فإذا تم الصلح تصدر وثيقة بذلك، وتتم الموافقة عليها عن طريق النفاذ الوطني الموحد (أبشر)، وتعد هذه الوثيقة سندًا تنفيذيًا ملزمًا بعد تصديقه، قابلًا للتنفيذ الجبري، فقد نصت المادة التاسعة من نظام التنفيذ في فقرتها الثالثة على أن: “… السندات التنفيذية هي: … 3- محاضر الصلح التي تصدرها الجهات المخولة بذلك أو التي تصدق عليها المحاكم”. أما إذا تعذر الصلح فتنتهي رحلة الطلب.