من الثابت بأن المؤتمرات الدولية وما ينبثق عنها من معاهدات واتفاقيات، تُمهِّد الطريق لظهور عدة قوانين مستقلة تُعنى بتنظيم موضوعات ومسائل معينة، وتساعد في تبلور خصائصها وعناصرها من خلال سن التشريعات القانونية وإعمال القواعد العرفية، وما يصدر من قرارات قضائية واجتهادات فقهية. ولذلك يعتبر القانون الدولي للبيئة حديث النشأة باعتبار أن بدايته الحقيقية كان في سنة 1972 تحت ظل مؤتمر استكهولم في السويد، فهو يعد أحد فروع القانون الدولي العام، تهدف تشريعاته إلى المحافظة على البيئة وتوازنها ورفع الضرر الناجم عن الأنشطة الملوثة لنظمها ومواردها لتأمين حق الإنسان في أن ينعم ببيئة آمنة وسليمة.
وفي ظل الأوضاع السائدة إقليميًأ وعالميًا، بات تغير المناخ أمرًا لا يمكن تجاهله وتسويفه نظرًا لما يشكله من تهديد للأمن الإنساني من جميع الجوانب، ومن الجدير بالذكر بأن ليس المغزى من الخطابات البيئية التطيّر والتشاؤم من واقع الحال، وإنما بعث الأمل والتفاؤل في النفس والتيّمن بالإصلاح وجبر الأضرار، وفي هذا الصدد يأتي الحديث النبوي الشريف ويؤكد المعنى، مُحثًا على أن لا تتوانى الأمة في فعل الخير وأن تسعى في بذل العناية الممكنة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها).
وأظهر المجتمع الدولي اهتمامًا ضخمًا بالبيئة والتنمية المستدامة فانبثقت العديد من الاتفاقيات البيئية إلا أن هذا التنوع والتعدد أثر بشكل سلبي على الحماية المنشودة للبيئة، حيث تسبب في نوع من التشتيت للدول والضياع بين هذه الاتفاقيات، كما أن الجدل حول حقيقة تغير المناخ ما بين العلم والسياسة أدى إلى إحداث نوع من العقبات تحول دون تطبيق التشريعات البيئية وإثبات فعاليتها، فالتعاون الدولي مطلب ضروري وأساسي لضمان حسن سير تلك الخطط المتعلقة بالحد من الانبعاثات والتخفيف من وطأة التغيرات المناخية، ولا يمكن تحقيقه إذا ما وُجد بما يعرف بتضارب المصالح، الأمر الذي يدفع الدول إلى الامتناع عن الانضمام للاتفاقيات التي تضر بمصالحها الاقتصادية، بحكم أن طبيعة الاتفاقيات البيئية تستلزم فرض بعض القيود على نشاطات الدولة قد تمس بمبدأ سيادة الدولة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، لا سيما بأن الأضرار البيئية ذات طبيعة متراخية لا تحدث دفعة واحدة، تجعل من تحديد المسؤولية القانونية عنها أمرًا عسيرًا لصعوبة إثبات علاقة السببية بين الفعل الضار والأضرار الناجمة عن ذاك الفعل.
بخلاف الشريعة الإسلامية التي اعتبرت البيئة جزء لا يتجزأ من رؤية الإسلام للعالم منذ بداية الدعوة، أي عندما كانت الأرض لا تكسوها النفايات، والبحر لا يغرق بالمخلفات، والهواء لا يشوبه انبعاثات. فالإسلام أوصى بحفظ الضروريات الخمس التي تكفل الحياة الكريمة: النفس والعقل والنسل والدين والمال، حتى يتسنى للإنسان أن يحمل الرسالة ويستخلف في الأرض باعتدال واستقامة، فلا يمكن تحقيق وظيفة الاستخلاف في ظل بيئة تعاني من الدمار والخراب والإهمال.
ولما كانت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم تنص على أن تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها، وفي هذا الصدد صادقت المملكة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1996، كما انضمت لبروتوكول كيوتو عام 2005، وسعيًا لتأكيد المملكة مسؤوليتها تجاه قضية تغير المناخ ولدورها المحوري كونها جزء لا يتجزأ من السياسات الدولية المتخذة للتغلب على التحديات المناخية فقد صادقت على اتفاقية باريس للتغير المناخ، وذلك في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ في دورته 22 المنعقدة في دولة المغرب لعام 2015.