يعتبر مبدأ علانية القضاء من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها كل الأنظمة القضائية الإسلامية والتي من بينها نظام القضاء السعودي، ونقصد بمبدأ علانية القضاء: أن تنظر المحكمة في الدعوى منذ بداية المرافعة وحتى يتم النطق بالحكم في جلسات علنية، وأن يؤذن لمن يشاء من الناس أو الصحف ووسائل الإعلام بالحضور إلى مجلس القضاء وسماع كل ما يدور في الجلسة.
صحيح أن المتتبع لكلام الفقهاء الأوائل يجد أنهم لم ينصوا صراحةً على علانية جلسات المحاكمة إلا أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والخلفاء الراشدين من بعده كانوا قد اتخذوا المسجد مجلسًا للقضاء وهو مكان عام للعبادة يقصده كل مسلم دون أن يمنع أحد من الدخول أثناء القضاء، وهذا يعني أن لهم أن يسمعوا كل ما تم في مجلس القضاء بكل تفصيلاته إلى أن يتم الفصل في القضية وإصدار الحكم، كما أن علي بن أبي طالب -عليه السلام- كان يقضي في السوق بين الناس، ومما يؤيد مبدأ علانية القضاء أيضًا أن كثيرًا من الفقهاء قد كرِهوا أن يقضي القاضي في داره؛ بسبب انعزاله عن الناس واحتمالية الشبهة.
وتكمن أهمية هذا المبدأ في أهدافه الجوهرية المتمثلة في بث الثقة والاطمئنان في نفوس المتقاضين، وذلك من خلال السماح لهم بالحضور إلى دور القضاء وممارسة حقهم في الدفاع، كما أنه يمكّن عامة الناس الحاضرين من رؤية الجهد الذي يبذله القضاة خلال سير المحاكمة وهذا بدوره يؤدي إلى تعزيز الثقة بمصداقية القضاة واحترامهم والحفاظ على هيبتهم، بالإضافة إلى أنه يمكّنهم من التعرف على الأنظمة وكيفية تطبيقها في الواقع العملي، وأخيرًا فإن مبدأ علانية القضاء يضمن حسن أداء القاضي لعمله إذ أنه لن تتاح أمامه فرصة بأن يغفل ويظهر إهماله لعمله أمام الملأ.
قد نص المنظم السعودي على مبدأ علانية القضاء في العديد من أنظمته من بينها نظام المرافعات الشرعية في المادة الرابعة والستون: “تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي – من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم – إجراءها سرًّا محافظة على النظام، أو مراعاة للآداب العامة، أو لحرمة الأسرة”، وفي المادة الرابعة والخمسون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية: ” جلسات المحاكم علنية، ويجوز للمحكمة – استثناء – أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها؛ مراعاة للأمن، أو محافظة على الآداب العامة، أو كان ذلك ضروريًا لإظهار الحقيق”.
إلا أن مبدأ علانية الجلسات في المحاكم السعودية ليس مطلقًا، بل ترد عليه استثناءات متمثلة بأن عدد الأشخاص المسموح لهم بالحضور للجلسات محدود وهذا من المسائل التي تنظمها الهيئة القضائية، وأن هناك من الأعمال القضائية التي تقتضي طبيعتها ألا تكون علنية كالأعمال الولائية والتي من بينها الأعمال شبه الإدارية كالترخيص، وأن هناك نوع من الدعاوى يؤدي السير فيها بشكل علني إلى الإخلال بخصوصية المتقاضين كدعاوى الخلع والطلاق والزنا وغيرها، وهناك من الدعاوى ما قد تبدأ بشكل علني ثم تصبح سرية بأمر من القاضي؛ لما فيها من التعرض لشؤون الآخرون أو المساس بالنظام والآداب العامة، وهناك نوع من الدعاوى جُعلت سرية حفاظًا على هيبة أشخاصها كدعاوى رد القضاة وتأديبهم.
وفي كل الأحوال حتى وإن تم النص على جعل جلسات السير في الدعوى سرية، فإنه يجب أن يصدر الحكم بصورة علنية.
المراجع :
بحث محكم بعنوان “علانية جلسات التقاضي في المملكة العربية السعودية” للدكتور ناصر بن محمد الجوفان
كتاب “الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي الجديد” للدكتور علي رمضان علي بركات
نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية
التعليقات 1
1 pings
فاطمة يوسف
16/03/2021 في 1:02 م[3] رابط التعليق
❤️❤️👍🏽