في ظل انتشار جائحة كورونا اليوم و ما ترتب عليها من آثار جعلت جميع الدول تلجأ إلى اتخاذ تدابير احترازية صارمة، من ضمنها القيادة الرشيدة لحكومة المملكة العربية السعودية و ما طبقته من قرارات في سبيل الحد من انتشار الجائحة و المحافظة على أرواح المواطنين و المقيمين و ضمان سلامتهم. و بلا شك فقد أثرت الجائحة منذ بدايتها -سواءً بشكل إيجابي أو سلبي- في مختلف المجالات منها الصحية و التعليمية و الاقتصادية و غيرها، مما أدى إلى وجود صعوبات في تأدية بعض الأعمال و الخدمات كالالتزامات التعاقدية بين أطراف العقد و الذين لم يتوقعوا حصول جائحة كورونا عند إبرامه. و هنا يثور التساؤل عن التكييف القانوني لجائحة كورونا، هل يمكن اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة أم ظرف طارئ ؟ و ما أثر ذلك على الالتزامات التعاقدية ؟
هل يمكن اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة أو ظرف طارئ ؟
قبل التطرق إلى مدى انطباق مسمى القوة القاهرة أو الظرف الطارئ كتكييف لجائحة كورونا ، فإنه يجب الإشارة إلى مفاهيم القوة القاهرة و الظرف الطارئ، فالقوة القاهرة تعرف بأنها حادث فجائي غير متوقع يجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلًا و لا يمكن دفعه ، أما الظرف الطارئ فهو حادث فجائي غير متوقع و لكنه يجعل من تنفيذ الالتزام مرهقًا و ليس مستحيلا. و استنادًا إلى هذه المفاهيم و الفرق بينهما، فإنه يمكن تكييف جائحة كورونا تارةً على أنها قوة قاهرة، و تارةً أخرى على أنها ظرف طارئ و ذلك حسب ظروف كل واقعة فهي المعيار الفاصل في تحديد التكييف المناسب للجائحة و أثرها على العقد.
ما أثر تكييف جائحة كورونا كقوة قاهرة أو ظرف طارئ على الالتزامات التعاقدية ؟
سنوضح ذلك استنادًا إلى موقف الشريعة الإسلامية من نظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة لسببين هما، الأول هو خلو النصوص الواردة في الأنظمة السعودية عن هاتين النظرتين من التفاصيل التي تحدد أحكامهما و شروط تطبيقهما، و السبب الآخر هو أن النصوص الواردة في هذا الشأن وردت في أنظمة محددة و بالتالي ستخضع جميع العقود التي لم تحكمها هذه الأنظمة لمبادئ الشريعة الإسلامية.
و نستطيع إيجاز موقف الشريعة الإسلامية في جمع الفقهاء لنظريتي القوة القاهرة و الظروف الطارئة تحت مسمى واحد و هو ( الجائحة )، و قد عرفوها بأنها كل آفة خارجة عن إرادة إنسان تُصيب محل التعاقد بشكل يجعل الوفاء بالالتزامات التعاقدية أمر مرهقًا أو مستحيلًا. و قد ذكر المجمع الفقهي في دورته الخامسة بأنه : ( إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلًا غَيَّرَ الأوضاع و التكاليف و الأسعار، تغييرًا كبيرًا، بأسباب طارئة عامة، لم تكون متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي، يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة، من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، و لم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحالة عند التنازع، و بناءً على الطلب، تعديل الحقوق و الالتزامات العقدية، بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد، فيما لم يتم تنفيذه منه، إذا رأى أن فسخه أصلح و أسهل في القضية المعروضة عليه، و ذلك مع تعويض عادل للملتزم له، صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبًا معقولًا من الخسارة، التي تلحقه من فسخ العقد، بحيث يتحقق عدل بينهما، دون إرهاق للملتزم، و يعتمد القاضي في هذه الموزانات جميعًا رأي أهل الخبرة الثقات…).
و بناءً على ما سبق، نستطيع أن نصنف الآثار المترتبة على تكييف فيروس كورونا كجائحة إلى أثرين، هما :
1. فسخ العقد و انقضاء الالتزام في حالة القوة القاهرة لأن الالتزام أصبح مستحيلًا.
2. تعديل الحقوق و الالتزامات التعاقدية في حالة الظروف الطارئة لكون الالتزامات التعاقدية أصبح تنفيذها أمرًا مرهقًا.
____________________
المراجع
– د. أحمد بصراوي ، د. أبو بكر جيب الله ، أ. عبد الله التميمي ، أ. عماد سلامه ، أ. محمد العثمان ، فيروس كورونا : القوة القاهرة و الظروف الطارئة من منظور النظام السعودي و الشريعة الإسلامية.
– د. سيف النصر خوجلي ، أثر جائحة كورونا على الالتزام القانوني في إطار العلاقات القانونية بين القوة القاهرة والظروف الطارئة.
– م.د. سماح هادي الجنابي ، التكييف القانوني لجائحة كورونا و أثرها على الالتزامات التعاقدية الدولية.
– قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ، الدورة الخامسة ، ص 122.