سبحان الله! كنا نتبادل الشوق بقرب حلول شهر رمضان، ثم التهاني بحلول أيامه ولياليه بعبارات جميلة نابعة من القلب، ودعوات إيمانية صادقة ملؤها الصفاء والنقاء، نسأل الله تعالى أن يتقبلها، والليلة يدخل الشهر في ثلثه الأخير {والفجر وليال عشر} أقسم الله بها، ويقال: إنها عشر ذي الحجة، ويرجح البعض أنها هذه الليالي؛ لوجود ليلة القدر فيها، والتي هي خيرٌ من ألف شهر، أي ما يعادل عبادة 83 سنةً و 4 أشهر، وهذا تأكيدٌ على أهميتها وعظمتها، ولما فيها من أجر وثواب كبير لمن حضرها، ودعا فيها، وتقرب إلى الله، ولما فيها من مغفرة للناس (( كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أهْلَهُ))، أيُّ عزيمةٍ، وأي همةٍ؟! القدوة الحسنة؛ فاقتدوا به -صلى الله عليه وسلم-، وذكّر بها أهل بيته.
نسأل الله تعالى العون والتوفيق والسداد؛ الثلث الأخير مؤذنٌ بالرحيل والانقضاء، ولم نشبع منه شوقًا، ولم نشبع منه حبًّا، ولم نمل ساعاته وأيامه، ما أجملها! وما أحلاها من ليال! فالبدارَ البدارَ في تحري ليلة القدر، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ))، ولم تحدد ليلة بعينها، ولكن قد تكون في الليالي الوترية ((تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ)) ومن علامتها عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ – رضِيَ اللهُ عنهُ- قال: ((هي ليلةُ صَبيحةِ سَبعٍ وعِشرين، وأمارتُها أنْ تطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها)) ، رواه مسلم، ومن وافقها فليقل ((قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدْر؛ ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي))، وإن أجرها عظيم وثوابها كبير((مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه)).
فمعتكف في حرمه ومسجده ومصلاه، متهجدٌ يصلي، ومتصدق بماله، ومخرج لزكاته، وخاشع على سجادته يقرأ كتاب ربه، وقائم بنفع عباده، وكلٌّ ميَسَّرٌ لما خُلِقَ له؛ فيَسِّرْ لنا يا الله أمورنا، وتولَّنا بعينك وعظيم رحمتك ومغفرتك، ويا ربي يا ربي يا ربي، وفِّقنا لموافقة ليلة القدر، واجعلنا ممن قامها إيمانًا واحتسابًا فغفر له يا رب العالمين.